كيف سيترك «البعث» السوري سورية؟... أبمثل ما ترك «البعث» العراقي العراق، قبل سقوطه في فخ الحصص، جُرماً في الفلك الإيراني؟ لا تُقاس حال بلاد الرافدين اليوم بمأساة سورية، لكنَّ ما يوحّد البلدين هو القتل اليومي، رغم تباين معدلاته، مثلما توحدهما نار تفتيت قد تلتهم الجغرافيا على دجلة والفرات. شعبان أو كتلتان بشريتان من حوالى 40 مليون عربي، مهدَّدين بالقتل والتصفيات وحملات الثأر والسيارات المفخخة. الفارق أن كثيرين من السوريين تصطادهم قذائف المدفعية وصواريخ الطائرات... في منازلهم. الفارق أن العراق جرّب الحرب الأهلية لكنه ينزلق إليها مجدداً، ولو من دون قرار. بَلَدان بحجم العراق وسورية، وعمقهما الإنساني وجغرافيتهما المتمردة دوماً على أدوار إقليمية، سيعني تدميرهما الكثير في تصديع جدران البيت العربي الذي يهزّه ربيع بدأ بإطلاق الحناجر، وتحوّل إلى ذبح أعناق و «تطهير» دول، يكاد أن يصبح تطهيراً من وحدة الجغرافيا ومن الثائرين. في ثلثاء أسود في سورية، مئتا قتيل نصفهم في مجزرة طلاب جامعة حلب. في أربعاء أسود في العراق عشرات القتلى ومئتا جريح، والتفجيرات الجوّالة تضرب في قلب كركوك. أي رسالة للجامعة باستهدافها، أي رسالة موجهة الى الأكراد في كركوك؟... في ظل طلاق بين الحكومة العراقية ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، وفيما تعود كرة التقسيم الى ملعب الأزمة المتفاقمة بالاحتجاجات، وبإصرار نوري المالكي على وجود مؤامرة خفيّة لإطاحته. ومع ضخ روحٍ طائفية في بعض مسارات الحرب السورية، يجثم شبح التقسيم كلما طالت جولات القتال والقتل، خصوصاً باسم التصدي ل «المؤامرة الكونية» العلنية. ما بين «بعثين» وما بعدهما، دمار لا نهوض وإعمار، تفتيت لا توحيد، توحش لا تحضّر أو تمدّن، رغم تضخّم المدن. ذبح وحرق وجثث وتقطيع أطراف وقتل أطفال واغتصاب نساء... وتفجير مواكب عزاء وجنازات، كل ذلك باسم التصدي للمؤامرة الجديدة والقديمة، ولا بأس فالانتصار آتٍ بعد ذبح شعبين! ولا بأس ببعض الميلودراما السوداء: «أين الخطأ» في بقاء رأس النظام الذي هبّت الثورة لاقتلاعه؟ من حوار الطرشان رغبة روسيا في تقديم المعارضة السورية أفكارها للحوار... مع النظام. لم يسمع الكرملين بعد لماذا كانت ثورة، ولا بيانات المعارضة، لكأن ستين ألف قتيل فائض بشري، وانتهى الأمر. وأغرب الغرائب في سياسة الارتياب المزمن لدى بوتين، إدانة تلطي الغرب والأميركيين خصوصاً بالموقف الروسي الذي أغلق أبواب مجلس الأمن ليحميه «أخلاقياً» من شبهة تقرير مصير الشعوب، وإطاحة أنظمة بقوة من الخارج. في مثلث العميان والطرشان ايضاً، أن إيران المتفائلة بمسار لسورية لكي «تصير بلداً أكثر قوة وثباتاً بعد تخطيها المشاكل والأزمات»، لا ترى في قتل ألف سوري كل أسبوع سوى مظهر لأزمة عابرة... فيما الثابت هو «التعاون» بين نظامي البلدين، وتصديهما ل «المؤامرات». لذلك يصلّي محمود أحمدي نجاد «كي تنتهي ظروف سيئة». وبين العميان والطرشان، يتجدد السؤال حول جوهر «التقارب» الروسي- الأميركي المستجد الذي يمكن الرهان عليه لإعادة فتح أبواب مجلس الأمن أمام الحل. تُجمع واشنطن وموسكو على أن الحل سياسي، وتختلفان على مصير رأس النظام السوري. أما الوجه الآخر للمعضلة فهو حيرة المعارضة والثوار إزاء تجاهل الإدارة الأميركية عمداً ما تُدركه من أن القيادة في دمشق لن تتنازل، فأي حل مع إصرارها على الحسم العسكري الذي لن يأتي؟ ولأنه لن يأتي، يزدهر موسم الانتحاريين، مع العميان والطرشان، ويختفي مشهد الجنازات، لكن آلة القتل ناشطة، ومعها كل البشاعات التي تحرث الأرض لزرع بذور الدويلات. أليست تلك حال المشرق اليوم، لئلا تكون لأي فئة اليد «الأعلى» و «الأطهر» و «الأنقى»؟! ولمن لم يقتنع بنظرية «الفائض البشري» التي يؤمن بها قادة على أرض حضارات، أن يقرأ «رواية» عن السوري محمد ملسي الذي هرب من مخيم اليرموك في دمشق الى مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، واختتم محنته بين المخيمين بالانتحار شنقاً. شرق الحضارات كله ينتحر؟