70 ألف قتيل، حصيلة حكومية للقتلى في العراق خلال سبع سنوات. في سورية، القتلى أكثر بكثير من 7500 خلال نحو سنة، كما تقدّر الأممالمتحدة. مجزرة جديدة في الرستن، ضحاياها قُتلوا بلا أدنى رحمة، لأقسى قلب. ولكن ماذا عن الاستفتاء؟ يقول الروس إنه مؤشر الى كون سورية على الطريق الصحيح! ... المذبحة مستمرة، ثمن «الربيع» في سورية هو الأغلى. ولكن، بعد «ربيع» ليبيا، ما زال الثائر يَقتل ويُقتل، مئة ضحية في أسبوع، وعبدالجليل ما زال يقرع الأجراس، يخشى تمزيق البلد. مات الديكتاتور، الأمل بالحريات والاستقرار ما زال بعيداً. ماتت الديكتاتورية، والأمن رهينة الميليشيات. في العراق الذي لا تخشى حكومته الربيع، على رغم اتهامها بممارسة ديكتاتورية الاستقواء بعد الاستئصال، تحصد السيارات المفخخة سنّة وشيعة، يتساقط المدنيون في مشهد «عادي»... فيما نوابهم جميعاً، الحريصون على أن يكونوا صوتهم، لا يرون بداً من تخصيص خمسين مليون دولار لشراء سيارات مصفّحة تقيهم غدر التفجيرات. خمسون مليوناً وكثيرون من العراقيين بلا كهرباء ولا عمل. في سورية، مزيد من القتل، انه الربيع الأعلى كلفة، إلا إذا صدقنا «حكمة» الروس في رؤية شلال الدم، على «الطريق الصحيح»... أو خِلنا أن المذبحة التي تطفئ العيون وتدمي القلوب، هي من صنع «مؤامرة» يوتيوب وفايسبوك، لدكّ قلاع الممانعة. هل نجرّب إذاً «حكمة» الأميركيين أم سعة اطلاعهم؟ مرة أخرى لا يكفّون عن التنديد بالمذبحة، ولا عن حرق أوراق المعارضة بشبهة تعاون مع «القاعدة». هكذا تتحول مأساة شعب الى مجرد لوائح بأسماء قتلى من كل المناطق، من القساة وممن تعتبرهم السلطة أدوات للخارج. لم يعد السوريون يتساءلون لماذا تدخّل الغرب لإنقاذ الليبيين، ولا يستجيب استغاثاتهم. والسبب ليس بالطبع حال ليبيا بعد ربيع الثورة، وخريف الميليشيات التي ترفض الاندماج في مؤسسات الدولة الناشئة. هناك حدد عبدالله ناكر، قائد إحدى أبرز الميليشيات، شروطاً للمقايضة: رواتب أكبر وتأمين طبي ومنازل وسيارات، وزيجات للعازبين من حَمَلة السلاح! وبحساب بسيط، يصبح تحرير ليبيا من الديكتاتورية معادلاً لشروط ناكر، وتغدو سلطة الثورة بإمرة بندقية الشارع... شتّان بين الدفاع عن حقوق الإنسان، وعن حصص للثوار وقادتهم. ربيع العرب ما زال في بداياته، والأثمان باهظة كأنها فواتير تُسدَّد بعد قتل تاريخهم لعقود طويلة، فيها اختارت الغالبية النجاة للفوز بالبقاء، وفضّلت الرغيف على الحرية. الكل شركاء في جريمة مصادرة العقول وقتل إنسانية البشر وكراماتهم، وإن استثنى علي عبدالله صالح نفسه، فودّع القصر موحياً بأن عهده الذي تجاوز ثلاثة عقود، لم يكن سوى حقبة حريات واستقرار، وبأن الثورة لم تكن إلا من صنع الذين يحسدونه! بورصة القتل مزدهرة في سورية، ولكن ما علينا إلا أن نصدق «حكمة» الروس، ونطمئن إلى إجراءات الإصلاح: تعددية حزبية، لا تمنع إبادة «المؤامرة». في تونس الثورة، يتبارى «النهضويون» والسلفيون على كسب العقول والقلوب، بدءاً من حرية البورصة ورأس المال الى حرية ارتداء المرأة النقاب في الجامعات. وهناك كما لدى بعض وزراء حكومة عبدالإله بن كيران في المغرب، مساعٍ للإيحاء بأن زهور الربيع أينعت، ولم يبقَ فقر ولا بطالة، ولا متاعب اقتصادية، فما الذي يحول دون «تطهير» الإبداع من الإفساد، ومحاكمة الموسيقى والفنون؟ وأما في مصر الثورة، حيث يعزف الإسلاميون على أوتار محاكمة الماضي، وتنتظرهم تجربة ميلاد دستور ومؤسسات الديموقراطية، فهموم الأقباط تتعدى الإبداع الى الإمساك بلغم «اللامساواة». والأكيد أن ليس بإمكان «الإخوان» انتزاعه بالنيات وحدها، وشعار المواطنة المتكافئة. تلك نماذج لمآلات «الربيع العربي»، على حافتيها يبدو معدل القتل في العراق متقارباً مع أرقام ضحايا المذبحة في سورية، وإن كان الفارق هو دفن «البعث» في بلاد الرافدين قبل سنوات. هناك لم يستطع الاحتلال الأميركي زرع بذور الديموقراطية، ولو أراد... في سورية الحرية أغلى. في حمص، لا حصانة من القتل، يستغيث السوريون بلا جدوى. القتل المحرّم بلا رادع، فيما بعض المبتهجين بربيعهم في غير عاصمة عربية، يستنزفون عقولهم في البحث عن حدود الإبداع الحلال، والإبداع الحرام. مَن «ينصِف» بعضهم في قبض «ثمن» الثورة؟