«كأنّ لا بد أن يكون الكاتب نكرة، يكتب كلاماً لا يفهمه الناس حتى يُحتفى به، ولا يهاجمه النقاد». العبارة قالها أستاذ الاقتصاد المصري جلال أمين، نصاً، قبل سنوات قريبة، في ندوة لتكريم الكاتب علاء الأسواني، وهو رأي أدبي مسطح، وخالٍ من أي عمق أو منحى فني حقيقي، لأن شهرة علاء الأسواني، ووضعه الأدبي المتميز داخل قوائم الأفضل مبيعاً، أو خارجها، لو كانا سبباً للهجوم عليه، فلا يعني الأمر أن المحتفى بهم يعدّون نكرة أو يكتبون طلاسم ليست مفهومة، كما أن هناك كتّاباً، اشتهروا عربياً ببساطة لغتهم الأدبية، وتحققت أعمالهم جماهيرياً، ولقوا احتفاءً كبيراً. تقويم، جلال أمين للأدب، لا يقف عند مسألة «الأفضل مبيعاً»، بل تجاوزها للمعايير الأخلاقية والرقابية، ما تجلى في واقعة رواية «الخبز الحافي» للمغربي محمد شكري، عندما وصف مشاهدها الجنسية بأنها «غير مقبولة البتة»، ومنع تدريسها في الجامعة الأميركية بالقاهرة. أنت، إذاً، كقارئ للمشهد، تستطيع تلقي آراء الرجل، بصفته أحد ذواقة الأدب، أو محبيه، لا باعتباره خبيراً، أهلاً للثقة، يعتد به في الساحة الثقافية، المدافعة عن حرية الإبداع، وعدم تقويمه تجارياً أو أخلاقياً. غير أن المهتمين، وجدوه أخيراً، على رأس لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية، التي أعلنت قائمتها القصيرة قبل أيام، ما أحدث توجسات عند بعضهم، تجاه صدقية النتيجة، خصوصاً مع الأسماء، غير المعروفة أدبياً، داخل عضوية اللجنة، في ما يحيلك إلى تساؤلات حول هذا التشكيل الذي يتجاهل عشرات الأسماء الجديرة بالتحكيم في جائزة، أحدثت شيئاً ملحوظاً في خريطة الأدب العربي، بسبب قيمتها المادية العالية، لدرجة جعلت بعض الأدباء، الآن، يتعمد التطويل في رواياته، لاعتقاده أن الأعمال ذات الصفحات الأكثر هي التي تحوز الجائزة. ربما أنك ستجد عملاً أو اثنين، استحقا الصعود إلى القائمة القصيرة، لكنّ بعض الشكوك قد تنتابك بالنظر إلى معايير رئيس اللجنة «المحافظ أخلاقياً». شكوك يزيدها استبعاد روايات من القائمة الطويلة، احتفي بها نقدياً وصحافياً، فتبدأ، أنت كمتلقٍّ، في البحث عن الأسباب الحقيقية لاستبعادها، مثل «ملكوت الأرض» لهدى بركات، أو «رجوع الشيخ» لمحمد عبد النبي، بل إنه يصبح مشروعاً، أيضاً، البحث عن أسباب تصعيد «مولانا» للصحافي المصري إبراهيم عيسى، هل هي فنية حقاً، أم إن أفكار الأفضل مبيعاً، أو التوجه السياسي، لعبا دوراً داخل حلبة السباق؟ يبقى أن القيمة الأدبية لأي جائزة، لا تكتسب، فقط، من قيمة الحاصلين عليها، بل من قيمة الأشخاص، الذين تثق بهم أمانة الجائزة، فتضعهم على منصة التحكيم، لأن تهمة تدخل المشرفين لمصلحة أعمال معينة، لا تنتفي بعدم التوجيه المباشر للجنة التحكيم، بل مع الاختيار الرفيع لأعضائها، العامل الذي فقدته البوكر، في دورتها الأخيرة.