نعى عدد من الأدباء السعوديين رحيل الشاعر والأديب محمد بن سعد الدبل (1944- 2013) الذي وافته المنية أمس، بعد أن أثرى المشهد الثقافي والأدبي بسلسلة من الكتب والدواوين الشعرية، التي تحولت مرجعاً مهماً لدارسي الأدب من الأجيال اللاحقة. وتميز الراحل، بحسب هؤلاء، بالثقافة الموسوعية، وبروح ساخرة، تميل إلى الدعابة وإضفاء المرح على حضور أمسياته وندواته. وله قدرة على السخرية من الواقع وقضاياه. وتداعت الكلمات من رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سليمان المنصور، الذي فجع بخبر وفاة الدبل، وتحدث إلى «الحياة» قائلاً: «وصلني خبر وفاته اليوم، وكنت بين مصدق وغير مصدق، فالأمر صدمة بالنسبة إليّ وكأنني في حال ذهول، فالموقف عصيب جداً على النفس، فهو من علمني في المرحلة الجامعية وناقشني في رسالة الماجستير وزاملني في القسم. يملك - رحمه الله - روحاً طيبة وقلباً لا يعرف السواد، يتعامل مع الجميع بود واحترام سواء أكانوا طلاباً أم معيدين أم أعضاء تدريس، يحدثهم جميعاً ويمازحهم ويسأل عنهم، كان الجميع يرتاحون لوجوده بينهم، فهو متواضع ويحب الدعابة والمرح ولا يتكلف أو يتبهرج بالحديث، وكان صريحاً جداً ولا يجامل في الحق. في محاضرته كان يتحدث عن أنه عمل في جهات عدة، ولكن عمله لم يمنعه من العلم، ولم يقف حائلاً دون طموحه. لطيف المعشر وقريب من الجميع». وأضاف المنصور أن الراحل «كان شخصية متفاعلة بشكل كبير ولا يقف ضد أي شخص، ويمنح المساحة والراحة في العمل على رغم مكانته الكبيرة لدينا، إلا أنه دائماً يوكل القرارات لنا ولا يتدخل إلا في مصلحة العمل. ومع أنه شاعر مشهور ولديه إمكانات كبيرة، إلا أنه يستمع للجميع ويشجعهم، وكانت لي قصائد شعرية كنت اسمعها له في جلسات خاصة، فكان يطلب مني أن ألقي شعري في أية مناسبة ويشجعني على ذلك بأن يبدأ بإلقاء القصائد، وكثيراً ما كان يردد قصيدة رثاء في زوجته أم سعد التي توفيت في حادثة وهي في رحلة للحج، إذ كان يكن لها حباً وحنيناً لا يخفيه أبداً، ولا يجد فرصة إلا ويتحدث للآخرين عن قصائدي، وكان رحمه الله محباً للبلاغة، وعاشقاً للبلاغة القرآنية، ومنذ أعوام طويلة وهو يعمل على مشروع في هذا الخصوص، وحين أسأله يجيب بأنه لا يزال مستمراً في العمل على مشروعه ولا أعلم إلى أين انتهى. ومنذ أيام أحضر أسئلة الامتحانات للتصديق عليها في القسم، وبدأ بتصحيحها ولكنه لم يكمل سوى سبع ورقات منها، حتى منعه الطبيب من العمل، وأحضرها لي ابنه لإكمال العمل بها». وقال: «ومما أذكره أنني تحدثت معه في الفترة الماضية حول تجديد عقده للتعاون إذ كان متقاعداً، وقال لي إنه لا يرغب في ذلك، لأنه وجد (سوماً أكبر)، رحمه الله وغفر له وتقبله قبولاً حسناً». وأبدى رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور عبدالله الحيدري حزنه على فقدان الدبل، وقال: «فوجئت بوفاة شيخنا وأستاذنا محمد الدبل، وهو أحد الشعراء في منطقة الرياض، ويجمع بين مواهب عدة، فهو باحث قدير، وشاعر كبير، وخطيب ومحاضر، وصاحب حضور ثقافي ملموس على منابر الأندية الأدبية والرياضية، وفي كل المناشط الثقافية التي تقام داخل المملكة وخارجها. عرفت الدكتور الدبل منذ فترة طويلة، وزاملته في رحلة إلى سورية عام 1417 في فعاليات الأيام الثقافية للجامعات وكانت أياماً لا تنسى، إذ كنا نتنقل معاً بالسيارة بين مناطق سورية، فكان يبكينا أحياناً وهو يستدعي قصيدته في وفاة زوجته الأولى أم سعد، ثم لا يلبث أن يضحكنا بقصائده الإخوانية الطريفة. والدبل شخصية محبوبة المعشر، وله مشوار طويل في العلم والعمل والبحث والشعر، رحمه الله وغفر له. لعلنا في النادي الأدبي نقيم له ليلة تليق به قريباً». وقال عنه الشيخ عبدالمقصود خوجة، حين استضافه في إثنينيته: «لم يقف إبداعه عند الشعر، بل آخاهُ بالنثر شأن كثير من الأدباء الذين ملكوا ناصيةَ البيان، وعرفوا الطريق الأمثلَ إلى استخدام ملكاتهم وأدواتهم لخدمة دينهم وأمتهم على الوجه الذي يرضي ضمائرهم ويكون بإذن الله في ميزان حسناتهم، فنقرأ له واحداً من أمتع البحوث في النظم القرآني في سورة الرعد، وبحثاً آخر في «الخصائص الفنية في الأدب النبوي»، وأحسبَ أنه من أجمل الأبواب التي يمكن ولوجها لتأمل البيان النبوي الذي هو نوع من الوحي (وما ينطِقُ عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحى)، فلمثل هذه الدراسات الشيقة من اللذة والنشوة ما لا يدركه إلا من رشفَ من رحيق الحديث النبوي الشريف... وعرف معنى التوازن والمعايير الجمالية في الأدب النبوي الرفيع، ثم عطف ضيفنا الكبير على القصة، فأولاها ما تستحقه من عناية ورعاية واهتمام، وهي قصص تتفرغ من النبع الغزير ذاته الذي ينهل منه». ولد الراحل في الحريْق. وحصل على الليسانس في اللغة العربية من كلية اللغة العربية بالرياض 1388، والماجستير في البلاغة والنقد من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1398، والدكتوراه مع مرتبة الشرف في البلاغة والنقد من الجامعة ذاتها 1402. عمل مدرساً بالمرحلتين المتوسطة والثانوية، ثم عمل معيداً في كلية اللغة العربية بالرياض، وتدرج حتى صار أستاذاً مشاركاً ورئيساً لقسم البلاغة والنقد. وأميناً لوحدة أدب الطفل المسلم حتى عام 1411، وعضو رابطة الأدب الإسلامي. دواوينه الشعرية: «إسلاميات» 1395، «معاناة شاعر» 1409، «خواطر شاعر» 1412. إضافة إلى مجموعة: أناشيد إسلامية 1398، وملحمة نور الإسلام 1396. مؤلفاته: «النظم القرآني في سورة الرعد»، «الخصائص الفنية في الأدب النبوي»، «من بدائع الأدب الإسلامي»، «منطقة الحريق: ماضيها وحاضرها».