استحقت ليلى غاندي لقب بنت بطوطة بعدما آلت على نفسها استكشاف العالم بواسطة السفر وآلة التصوير والكتابة. السفر بما هو مغامرة نحو مجهول يُفضي إلى المعرفة، وبما هو لقاءات ومجال للمعرفة عبر الجغرافيا والإنسان. وحسناً فعلت القناة المغربية الثانية حين اقترحت على هذه الفتاة المغربية الشابة برنامجاً حول ما راكمته في أسفارها، فضلاً عن اكتشاف جغرافيات أخرى. هو برنامج «السفر رفقة ليلى غاندي» الذي يعرض في الأحد الأخير من كل شهر، وقد عرض رحلات إلى كل من تركيا والسنغال وكوريا الجنوبية والبرازيل ولبنان وتنزانيا. التجربة تبدو رائدة على أكثر من مستوى، لأنها أولاً نتيجة عشق لفن رافقه سلوك وتحول إلى «مهنة»، ثم هو أمر يستحق التعميم والمشاركة والمشاهدة، وهو عشق تفردت به امرأة شابة من زمن العالم الحديث في مجتمع شرقي (مغربي) غير معتاد على وجود نسوي رحالة من دون وصاية. وأخيراً لأنه يلتقي بممارسة غربية حصرية تقريباً نكتفي كمشاهدين بمتابعتها والتأمل بكنوزها. ولكن ها هي ليلى غاندي تزاحم وتنافس في المضمار ذاته. ميزة الحلقات هي العفوية الكبيرة التي تبديها الشابة الرحالة، بحيث تلتقي الإنسان بالضرورة وليس المكان أولاً. وبرفقة أناس البلد والحوار معهم يتكوّن التعريف وتتراكم التجربة. أكثر من هذا، تتعمق التجربة بالدخول في حميمية المنازل ومراودة الاختلاف من دون احتياطات أو تردد. ويتجلى ذلك أكثر في المطبخ حين «تُغامر» الرحالة بمشاركة الآخرين المختلفي الثقافة، أكلهم الذي يختلف في كثير من أنواعه عن الأكل المغربي. وهي لمحة ذكية، فكما يقول المثل المغربي مشاركة ملح الطعام مقدسة وبالتالي تربط العلاقات وتمنح الثقة والإلفة وتفتح القلوب. طبعاً الأمر مأخوذ من سلسلات غربية شبيهة، لكنّ ليلى غاندي تُضفي عليها اللمحة المغربية والشخصية. أما المغامرة فليست دائماً مضمونة النتائج، وأحياناً لا يكون هناك قبول بالآخر، ولو كان مسالماً وآتياً تحذوه المودة. هذا ما حدث في حلقة البرازيل حيث زيارة أحد الأحياء الفقيرة والمعروفة بترويج المخدرات وغياب الأمن، كادت أن تتحول إلى كارثة لولا حديث المرافق وعفوية الرحالة ليلى. والأمر ذاته بدا مثيراً حين اضطرت إلى مجاراة قبيلتين من السكان الأولين في الحلقة المخصصة لتنزانيا تصران على الحياة في تناغم مع الطبيعة، الأولى تعيش بالقنص والثانية على العشب. وللتدليل على حسن النية، مالأتهما ليلى في الأكل من دون حسابات، وهو أمر مفروض بطبيعة البرنامج، كونها طريقة أخرى للمعرفة والتعرف. وهناك الجانب الإيجابي الذي يطغى على ما عداه في المحصلة، ويمنح الحلقات غرابة محببة وممتعة حين يُعاد اكتشاف علاقات سابقة ووشائج مرسخة إعلامياً، ولكن من دون تأكيد صوري دائم. هذا ما تجلى في الحلقة المخصصة للبنان، إذ اكتشف المغاربة التعدد وأوجه التعايش مع بلد يعرفونه جيداً ولكن، لا يعرفون في العمق قوة التعدد فيه وآثاره، جغرافياً وثقافياً وسياسياً. وحسناً فعلت ليلى حين حاورت مسؤولين ومواطنين وصافحت جنود اليونيفل في الجنوب وتوقفت على حقيقة التعدد الديني والطائفي، ونقلت الزخم الحياتي البيروتي بكل ما يتضمنه كمدينة عالمية وفي الوقت ذاته محكومة بتسيير وإدارة التعدد العميق. كل ذلك في شكل محايد وفضولي محبب. وإذا كانت العفوية تُعطي البرنامج حيويته وأهميته، فهي أحياناً تبدو تعليمية، وهو ما لا يُحبذ في برامج توثيقية كهذه، إذ قد تسقطه في بعض النزوع الفولكلوري كما حصل في الحلقة المخصصة لتركيا، إذ غاب العمق قليلاً، وأخذ البرنامج منحى فيه سذاجة ما، عندما أكد بعض البداهة في المعلومات الشائعة. لكنّ ذلك هيّن ويمكن تجاوزه، من دون أن ننسى اللغة التي تحار بين الفرنسية والعربية الدارجة والتي يُفضَّل أن تختار جانباً وسطاً يتيح للجميع التتبع والاستمتاع.