هل يصلح الممثل النجم مقدماً للبرامج؟ هل في الأمر تجديد وإضافة لا يحققها الصحافي التلفزيوني ويقدمها الممثل؟ أم أن الأمر مجرد استغلال وتوظيف للاسم المشهور لدى الجمهور كي يحصل البرنامج التلفزيوني على أكبر عدد من المشاهدين؟ منذ سنوات قليلة بدأ نجوم التمثيل في المغرب يظهرون كمقدمين لبرامج تلفزيونية. والظاهرة في تزايد. وهؤلاء ممثلون معروفون، ولهم صيت فني محترم. من هنا السؤال: هل بات تقديم البرامج حلقة في مسار الممثل، بالتالي لا يشكل سوى مرحلة عمل وتجريب، أم هو وقفة أساسية لها معطى أعمق من مجرد مسألة عبور؟ أضف الى ذلك مسألة ثانية لها أهميتها هنا، وهي التداخل ما بين التقديم بما هو عملية ربط وتحريك لأجواء برنامج ما، وما بين التشخيص والتقمص والمدارة والتحويل التي هي من طبيعة التمثيل. أليس في الأمر ما قد يحيل على الخداع والتكلف من لدن الممثل المنشط فينجَر إلى عكس ما هو مطلوب أي العفوية والتلقائية؟ لا نظن أن هذه الأسئلة قد طرقت أذهان ممثلينا وهم يظهرون تباعاً في البرامج التلفزيونية. بدأ الأمر بالممثل رشيد الوالي مقدماً لبرنامج الزواج على الهواء «لالة العروسة»، أو سيدتي العروسة بالعربي الفصيح. وقد بدا رشيد الوالي خلال حلقات «تلفزيون الواقع» هذا، متكئاً على ابتساماته وحركاته المعروفة في مجال التمثيل في الدور الوحيد الذي يتقنه، وهو ابن العائلة الطيع الذي يبر بوالدته. لكنه لم يقدم الإضافة الصحافية اللازمة، أي خلق روح أخرى غير الربط والتكلف في التقديم وطرح الأسئلة المعهودة المكررة. وهذه السنة قرر منتجو البرنامج أن يعهدوا مهمة التقديم للثنائي الكوميدي المعروف، النجمين سعد الله عزيز وزوجته الممثلة خديجة أسد. هذا الثنائي الذي نشط في ردهات المسرح واستوديوات التلفزيون والسينما منذ أكثر من ثلاثة عقود، والذي بصم بلمساته الخاصة والشهيرة مشهد التمثيل المغربي. ولا بد أنهما سيغيران من نمطية أجواء البرنامج، ويمنحانه الخفة والقبول الضروريين، هما اللذان شكلا بطلي السيتكوم «لالة فاطمة» الذي لا تزال حلقاته تعاد من دون ملل. وهناك أيضاً الممثلة الشابة سامية أقريو التي قدمت برنامجاً اجتماعياً هو «أسر وحلول» الذي يرتكز إلى طرح قضية عائلية حادة ومستعصية بجرأة وشجاعة، واستدعاء من تهمهم برفقة اختصاصيين نفسيين واجتماعيين وفقهاء أو ذوي الاختصاص بحسب كل حلقة. وقد توفقت سامية أقريو بخفة دمها ولكنتها العربية الشمالية الخاصة، وابتسامتها المألوفة في منح الحلقات طابعاً إنسانياً مقبولاً، منَعَ تسلل كل تشنج أو خروج عن مسار النقاش الهادئ والعرض الرصين مهما بلغت قساوة الموضوع. وبالطريقة الخفيفة المستحكمة ذاتها سارت الممثلة المعروفة فاطمة خير التي حلّت مكانها في تقديم البرنامج. لكن هذه الأخيرة وعكس ما كان معهوداً تميزت بتدخلاتها واستثارتها أحياناً لضيوفها ولشريحة من المشاهدين من خلال طرحها لأرائها الخاصة، مثلما حدث في حلقة خصصت لرجال ونساء التعليم حينما قالت بأنهم لا ينجزون دروسهم مكلفين بذلك التلاميذ من دون أن يكونوا استوعبوها كفاية. لكن الرأي الخاص للصحافي مطلوب ومحبب في هكذا برامج، وفاطمة خير أظهرت إطلاعاً ومعرفة وقدرة على المشاركة، ما يجعل المواضيع المطروحة تجد مجالاً أوسع للتعميق. وهنا بالذات تبدو المذيعة التلفزيونية متفوقة على ممثلة التلفزيون والمسرح. المثال الأخير تجسده لنا الممثلة الشابة هدى الريحاني التي أرست قدراتها في التقديم في برنامج اجتماعي أيضاً هو «أجي نتعاونوا» (تعالوا لنتعاون سوية) الذي يقدم المساعدة للأسر والهدايا لمن يستحقها. وقد لقي البرنامج قبولاً جماهيرياً حقيقياً لعبت فيه دوراً كبيراً طيبة الممثلة والصورة المكونة عنها عبر أدوارها كفتاة محبة وإنسانية. هذه أمثلة عن حال تقديم تلفزيونية اخترقت التلفزيون المغربي، ولا ندري ان كان يكمن وجودها في قلة المذيعين المحترفين أم في رغبة المنتجين، وهم في الغالب أصحاب شركات إنتاج مستقلة، في الاستعانة بالجاهز المعروف لضمان النجاح الفوري. لكن بما أن طبيعة البرامج حتى الآن هي اجتماعية حوارية فالأمر مقبول ومحبذ إلى حد بعيد. وكثر من الممثلين المغاربة الذي ظهروا خلال السنوات الأخيرة، ومنهم من ذكرنا، هم خريجو المعهد الفني الأهم بالمغرب والذي يحمل اسم المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالعاصمة الرباط، بالتالي فالتكوين فيه مزدوج فني تنشيطي. فهل يكمن السبب ها هنا؟