تناسباً مع حضور المهاجرين العرب في المجتمع بدأ التلفزيون السويدي منذ قرابة ثلاثة عقود الاهتمام بهم، كونه وسيلة إعلامية تهتدي بقيم وسياسة التلفزيونات المستقلة «بوبليك سيرفس» القليلة العدد في العالم. وسرعان ما صار حضورهم دائماً على شاشته الصغيرة، وأكثر ما يلفت النظر ظهور أجيال جديدة منهم بدأت المشاركة في برامجه وعلى أكثر من مستوى، ابتداء من تقديمها الى إنتاجها، وكان الرهان دوماً بالنسبة للمجتمع السويدي وغيره من المجتمعات الغربية على الأجيال الجديدة منهم، لتوفر إمكان انخراطهم في المجتمعات الجديدة. ولهذا كان التوجه الى الأطفال، من اهتمامات التلفزيون السويدي الذي راح يبث الكثير من البرامج الموجهة اليهم لامتلاكهم أكثر من ثقافة ولغة. وكان هذا جلياً في عدد من حلقات برنامج «راديو التعليم» الذي يعرض ضمن تلفزيون المعرفة والمخصص لتطوير معارف الطلاب والفتيان عبر وسائل بصرية حديثة، وفي سياقها جاءت حلقات «وضحك الجمل» التي قدمت صورة محايدة ومحببة للطفل العربي من خلال لغته والامتياز المعرفي الذي يكمن فيها ومنطلقها كما ورد في النص المرفق مع الحلقات والذي جاء على شكل أسئلة، مثل: «كيف يعيش الأطفال العرب اليوم؟ ولماذا مهم بالنسبة إليهم تعلم لغتهم الأم في شكل صحيح؟ لقد التقينا خمسة تلاميذ عرباً من الدارسين في المرحلة المتوسطة، 3 منهم في مصر و2 في السويد، وأيضاً، التقينا عدداً من المشاهير السويديين من ذوي الخلفيات العربية، تحدثوا إلينا عن علاقتهم بلغتهم الأم. والجمل؟ إنه فقط يتفرج ويضحك». تعطي هذه المقدمة صورة واضحة عن متن هذه الحلقات المسلية والإيجابية ناهيك عن مستواها الفني. عَنون معدو البرنامج كل حلقة باسم طفل ما، وضمنوها أكثر من موضوع وشخصية، الى جانب تركيزهم على الشخصية المحورية فيها، ليعطوا، من خلالها، المتفرج السويدي فكرة كاملة عن الأطفال العرب وعلاقتهم بلغتهم وبعائلاتهم وأوطانهم التي هجرها قسم منهم وآخر ما زال يعيش فيها، والمهم بالنسبة إليهم، معرفة القواسم المشتركة بينهم على اختلاف المواقع الجغرافية. فمانويل العراقي عاش الحرب في بلاده قبل وصوله الى السويد، ومثله مثل معظم الأطفال الذين عاشوا التجربة ذاتها، حمل العنف في طيات روحه الصغيرة، ولكن ومع الوقت تشذبت ولم تعد جثث الموتى تستهويه كما كانت في السابق وحلت مكانها لعبة كرة القدم التي صارت تشغل باله أكثر من أي شيء آخر كما لاحظت والدته. «عندما وصلنا الى السويد كان ابني يحمل العنف الذي كان عنده في العراق ولكن مع الوقت تغير وصار يلعب مع أولاد صفه. لقد نسي صورة الجثث التي كان يراها عندما كان يعود من مدرسته الى البيت وصار يفكر في المستقبل وبحماية البلد الذي وصل إليه. وكلام مانويل بعد انتهاء مباراة كرة قدم شارك فيها يعكس الروح التسامحية التي صار يتحلى بها الآن: لقد لعبنا وقدمنا أفضل ما عندنا لكن الفريق الخصم لعب أفضل منا واستحق الفوز وفي النهاية المهم اللعب والمشاركة وليس الفوز أو الخسارة». أما حلقة «علي» فصورت في مصر وكان هو محورها الى جانب أصدقائه الذين عبروا عن أفكارهم وتطلعاتهم الى المستقبل من خلال تسجيل ليومياتهم خارج المدرسة حيث كانوا غالباً ما يلهون ويلعبون شأنهم شأن أطفال السويد. وعبر حواراتهم العفوية أحس المشاهد بالقواسم المشتركة بين أطفال العالم كله، فهم يريدون مستقبلاً مضموناً وعالماً هادئاً خالياً من العنف، وأن «ينجحوا من دون الحاجة للذهاب الى المدرسة»، كما قال علي. وبعد فاصل قصير علّق الجمل فيه وهو يضحك على تجربة علي المصري، أطلت الشخصية الثانية الى جانبه غينا ديراوي، الشابة اللبنانية، مقدمة البرنامج التلفزيوني السويدي «آنا غينا شو» التي تحدثت أمام كاميرا البرنامج، عن علاقتها بالعربية وشعورها بتأنيب خفيف للضمير لعدم تَحدثها بطلاقة، مع أنها تجيدها بطريقة مُرضية، لكن طموحها المهني هو سبب هذا الإحساس كونها لا تفهم كل ما يقال في وسائل الإعلام العربية فهي تريد معرفة العربية بمستوى تعلمها للسويدية تماماً. لانا السورية تتطلع ليوم تمارس فيها هوايتها كحلاقة وصاحبة محل تجميل، فهي تحب المهنة مثلما تحب كرة السلة التي حرمت من تدريباتها بسبب كسر في يدها. تجربتها العائلية متوازنة ومثال إيجابي للعرب أمام أقرانها السويديين من الذين تابعوا البرنامج، وأتيحت لهم فرصة التعرف الى أساليب تجميل النساء العربيات في العالم العربي من خلال زيارة فريق العمل الى صالون ريهام الصواف في القاهرة التي قدمت لهم فيه بعض الأفكار الجديدة والخاصة بجمال المرأة في تلك البقعة البعيدة من العالم، والتي حاول «الجمل» توصيلها لهم بكل وسيلة تمكن منها. حامل هدف المنتخب السويدي السابق ولاعب نادي هامربي تشارك مع فريدة المصرية الحلقة، وعلى اختلاف اهتماماته الرياضية، فهي تمارس في القاهرة كل أنواع الرياضة عدا الكرة ويشجعها أهلها على اللعب والتمتع بأوقات فراغها بحرية تحترمها وتحرص عليها مثل حرصها على كلبها وإكمال دراستها. أما رامي شعبان فيحترف كرة القدم في السويد، لغته العربية بسيطة، أقرب في نطقها الى متعلميها الأجانب، وعلى رغم هذا يشعر بالارتياح لأنه يفهم متحدثيها ويوصل أفكاره لهم بواسطتها فهي وسيلة للتواصل إضافية أفادته في حياته كثيراً. الإضافة اللطيفة في الحلقة جاءت من طالبات عربيات يلعبن كرة السلة استخدمن العربية لتحقيق انتصاراتهن الرياضية عندما لجأن إليها في نقل المعلومات في ما بينهن حتى لا تفهمه السويديات وبالتالي يعجزن عن كشف خططهن. في كل الحلقات حضرت الموسيقى العربية، الى جانب الرياضة والأطعمة الشهية، فأضفت عليها كلها روحاً مرحة ومناخاً محبباً عند الأطفال تحول خلاله «الجمل الضاحك» من رمز يجسد الفكرة النمطية السلبية عن العربي الى حيوان مرح محبوب يعلق بطريقة ساخرة وصريحة مثل كل الصغار في العالم حين يعبرون عن أفكارهم بلغتهم الأم.