حسناً فعلت القناة المغربية الأولى ببرمجتها للمسلسل الفكاهي «دار الورثة». فهذا المسلسل لاقى استحساناً وتتبعاً جماهيرياً كبيراً بزّ بقية المسلسلات المقررة في هذا الشهر الفضيل في بقية القنوات. بخاصة أن المستوى الفني المعروض للعديد من البرامج هذه السنة جاء متذبذباً وبعيداً عما كان متوقعاً. هذا المسلسل عرف عودة محمودة لرائد في فن التشخيص المسرحي والتمثيل التلفزي في مجال الإضحاك الممتع والضاحك منذ الستينات من القرن الماضي. وهو عببد الجبار الوزير الذي فاجأ المشاهدين بأدائه الحيوي رغم تقدمه في السن، كما فاجأهم باحتفاظه بطريقته المميزة في جذب المشاهد على مستوى الارتجال الموفق في المواقف والردود. وذلك حين يجسد في السلسلة دور «الأب كبور»، أب حنون وعطوف وأيضاً عنيد ومتدخل ومهتم بكل ما يجري في منزله. الأب «كبور» الذي يبدو بجلبابه المغربي الخاص وطاقيته وعكازه في مجاله الحيوي حيث يمكن أن يمنح كل ما تختزنه مواهبه من ألق وإمتاع. وفكرة المسلسل الأساسية، التي تعد غير مسبوقة إذ تتناول ظاهرة المنازل العتيقة بمدينة مراكش والمسماة ب «الرياض» والتي صارت مؤخراً موضة أجنبية يتهافت على اقتنائها الأجانب بأثمنة باهظة. ولأنها كذلك فأبناء كبور وأصهاره، أي ثلاثة أزواج وبنت كبرى غير متزوجة، لا يودون مغادرة البيت في انتظار أن يتم بيع البيت لأجنبي ما، والاستفادة من الثمن كورثة. في انتظار ذلك يتصرف الأب «كبور» كصاحب حق وسلطة وقدرة على التحكم، مع ما يستتبع ذلك من مواقف مضحكة ومسلية وقفشات غير متوقعة. مواقف ترتبط بميزات كل شخصية: فهناك البنت المحامية وزوجها الحائر ما بين لكنته البدوية ومزاج زوجته المتعلمة لكن المحبة، وهما يجسدان الثنائي المديني المتوسط. ثم الزوجة البدوية في شكل مطلق وزوجها المحاسب الذي لا يقل عنها «بداوة» لكن مع نزوع للترفع والتعالي. وأيضاً الابن الأصغر الذي يحترف العزف والتلحين على العود وزوجته المغنية المدللة المغناج، ويجسد هذين الدورين الأخيرين عبد الصمد مفتاح الخير الذي سبق له أن حاز جوائز أولى عديدة كأحسن ممثل مسرحي وسينمائي، والمطربة الصاعدة التي فازت بستار أكاديمي المغرب العربي هاجر عدنان. وتأتي أخيراً الأخت الكبرى التي تهتم بحاجات الأب «كبور» وتحلم بالزواج ليل نهار ولا تتورع عن الاحتكاك بكل من يزور البيت، وتؤدي الدور الممثلة القديرة فضيلة بنموسى، وقد شكلت رفقة عبد الجبار الوزير ثنائياً كوميدياً ومتوافقاً يمنح المتعة والضحك الجميل. الحلقات المقدمة منذ بداية شهر رمضان تدل على التمكن والحرفية والعفوية المطلوبة في هكذا سلسلات رمضانية تقدم في فترة الذروة أي في فترة الإفطار. وتعتمد الحلقات في كل مرة على فكرة خاصة تقدم في شكل مشوق من طرف ممثلة صغيرة السن هي الطفلة الوحيدة في السلسلة. وهذه الأفكار تتأسس على الاختراق المحبب للتقاليد المجتمعية المغربية كتجربة الوحم وتوزيع الأدوار داخل العائلة التقليدية، وبعض الظواهر كالحسد والمنافسة والرغبة في الربح واستغلال الآخر، والمناسبات كعيد الأضحى وما شابه. ويدل هذا التنوع في الموضوعات والطرق على كتابة سيناريو تراعي خصوصيات مثل هذه المسلسلات كالخفة والمفاجأة والتشويق والتنوع. وهو من إخراج المخرج الشاب هشام جباري عن سيناريو تكلف بكتابته جماعة عمل من كتاب السيناريو يتناوبون على تدبيج حكايات الحلقات تباعاً.