أيام رائعة قضيتها في تركيا، آخر شهر كانون الأول (ديسمبر) 2012 الماضي، إستجابة لدعوة من جمعية حماية التراث العثماني في بيت المقدس – ميراثنا - برعاية الحكومة التركية لحضور المهرجان السنوي الرابع ميراثنا في خطر، الذي كان هذا العام بعنوان «لا لتقسيم الأقصى» لدعم القدس والمسجد الأقصى، وبحضور شيخ الأقصى «رائد صلاح». تم إستقبالنا في المطار ثم أخذونا للفندق للتجمع - المدعوين من جميع الدول العربية - وبعدها رحلة طويلة بالباص، وركبنا العبارة في البحر إلى مدينة «بورصة» التي قضينا فيها ليلتين، وكان اليوم الأول لقاءً وتعارفاً، إضافة إلى ورشة عمل مع الشيخ رائد... لحظة وصوله كانت الفرحة عارمة لجميع الحضور عامة ولي خصوصاً، فمن أمنياتي لقاء هذا الرجل العملاق بقامته وبنضاله وقوته في الحق، وزاد إعجابي به بعد رؤيته، فهو حقاً قمة في الأخلاق والتعامل، وهذا سر محبة الناس له، ومن أحبه الله حبب فيه خلقه. غادرنا «بورصة» في اليوم التالي بعد الإفطار في الفندق صباحاً، وكان الطريق ممتعاً لأن الرحلة بالنهار... وصلنا «اسطنبول» بعد الظهر وتناولنا طعام الغذاء في مطعم مطل على البحر، ثم توجهنا إلى مقر المهرجان الذي فوجئنا به، إذ كان في مكان يستوعب عشرة آلاف شخص تقريباً، وأدهشني الحضور الكثيف للأتراك، كباراً وصغاراً نساءً ورجالاً... كلهم جاءوا لنصرة الأقصى - كأن تركيا كلها فلسطينية - ولا عجب فهم أحفاد السلطان عبدالحميد الثاني الذي فقد عرشه لأنه رفض أن يبيع فلسطين. بدأت الحفلة المهيبة بتلاوة عطرة للقرآن الكريم لسورة الإسراء، بصوت ندي لقارئ تركي، وبعده كلمة رئيس جمعية ميراثنا، ثم تحدث عدد من الأشخاص المهمين، وكانت الكلمة الأهم لشيخ الأقصى رائد صلاح الذي بث الحماسة في الحضور، وصار الكل يكبر بصوت جماعي، وختمت الحفلة بنشيد لفرقة فلسطينية ثم فرقة تركية. اليوم الأجمل هوالأخير، إذ قضيناه في السفينة التي أبحرت في «البسفور» لساعات شعرت فيها كأنني في سفينة مرمرة مع أسطول الحرية، وأننا ذاهبون ليس فقط لفك الحصار عن غزة، بل لتحرير فلسطين والأقصى الأسير... تكلم الشيخ رائد بصوته الجهوري فأبكانا وملأ قلوبنا شوقاً للأقصى وإيماناً بأن النصر قادم بإذن الله على يد المؤمنين الصادقين أمثاله، نسأل الله أن نكون منهم ويكرمنا بأن يكون لنا دور فيه. وكان ختامه مسكاً بتوزيع شهادات ودروع شكر للحضور، مع زجاجة زيت زيتون فلسطيني قدمها شيخ الأقصى بنفسه لكل شخص بابتسامته المميزة وكأنه يقول لنا أسعدنا حضوركم. حلم جميل تمنيت ألا أصحو منه حتى لا تنتهي تلك الرحلة الرائعة، ولكن لكل شيء نهاية، وأسعدني أنني عشتها فعلاً في الواقع، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات. الشكر الجزيل للحكومة التركية، وجمعية ميراثنا، على حسن الاستقبال وكرم الضيافة الذي كان فوق الوصف، ليس فقط في مستوى الفنادق والطعام، بل في التعامل الراقي وتحمل الصعاب في سبيل توفير الراحة للحضور، وأنسونا تعب السفر، إذ غمرونا بلطف قولهم وفعلهم، ولا أجد وسيلة لشكرهم سوى الدعاء لهم أن يجزيهم الله خيراً. كنت في تركيا منذ أربعة أشهر للسياحة، وهذه الرحلة الثانية كانت للمهرجان، وأود زيارتها مرة ثالثة، بل مرات، فهي بلد رائع فعلاً، حفظها الله وقيادتها وشعبها وزادهم من فضله. [email protected]