ربما يتبادر للقراء الكرام أن مقالتي عن التجارة وأسعار السلع أو عن بورصة الأموال والأسهم لكني سأحدثكم عن بورصة أخرى لايعرفها إلا ذوو الهمة العالية أولئك اللذين دفعوا كثيراً من أعمارهم – وهي أغلى مالدى أي إنسان – ثمناً لنصرة الحق، ومنهم شيخ الأقصى (رائد صلاح) الذي قضى سنوات من عمره في غياهب السجون الإسرائيلية، ويتواصل الظلم والجور بالحكم عليه بقضاء أربعة شهور- تضاف لرصيده السابق-أسيراً لدى العدو وجريمته التي تشرفه هي الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك والأوقاف الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل .. ليت كل مسلم رآه ببصيرته و سمعه بقلبه وهو يقول بصوته الواثق في طريقه للسجن وكأنه ذاهب إلى نزهة: (هذا أقل ثمن) إنه صوت الإيمان حين يتجسد في صورة إنسان .. قالها وهو يعنيها تماماً لأن قيمة مايدافع عنه لاتقدر بثمن حتى ليصبح سلب حريته أمراً هيناً عليه وأقل ثمن يدفعه. وليس جديداً أن يُسجن شيخ كبير مثله ولا أن يهل عليه رمضان وهو وراء القضبان فقد سبق أن قضى شهر الصوم هناك بعيداً عن عائلته، كما شاهدت لقاء في قناة الأقصى الفضائية مع والدته وبناته وهن يحكين عن هذه الأيام الصعبة عليهن لغياب رب البيت عنه خصوصاً في الشهر الوحيد الذي كان يجتمع فيه معهن – لانشغاله طول العام بأعماله لخدمة القضايا التي يحملها على كاهله لفلسطين ومقدساتها وأهلها – وقد مات أبوه وهو في السجن فسُمِح له بالخروج يوماً واحداً لدفنه تحت الحراسة المشددة عاد بعدها للزنزانة يجر أحزانه ، وكما قالت أمه التي ظهرت عليها ملامح السنون العجاف التي عاشتها وهي تمسح دموعها بيدها " واحد ذهب تحت الأرض والثاني وراء الجدار وتقصد بذلك زوجها المتوفي وانها الأسير".. ومن كلمات ابنته لبابة التي أثرت بي أن والدها سُجن ليس لأنه فعل شيئاً يخجل منه بل لأنه شريف له مبادئ يتمسك بها ولا يتخلى عنها أمام الضغوط مثلما قد يفعل البعض، وأضافت أنا أرفع رأسي لأنه لم يتنازل يوماً عن مبدأه . أما من كلمات الشيخ التي أصبحت لازمة له : ( إنا باقون مابقي الزعتر والزيتون ) .نعم أنهم باقون بإذن الله طالما أن فيهم مثله ومن يقدم نفسه بكل طيب خاطر لقضيته .السؤال الموجع حقاً هو .. ماذا قدمنا نحن ؟ وماهو أكبر ثمن وليس أقل ثمن بالنسبة لنا ؟ ماذا قدم أثرياء العرب والمسلمين ؟ ومنهم من ينفق الملايين على سيارة أو رقم لوحتها !! ولايدفع شيئاً لنصرة فلسطين ..وإن ُطلِب منه ذلك أجاب بأنه غير مسئول عنهم .نعم هناك من يهتم لكن لايكفي، فالمفترض أن الجميع مسئولون كلٌ على قدر موقعه واستطاعته .. وبدلاً من أن نتابع في رمضان مسلسلات بلا معنى فلنتابع مسلسل فلسطين الواقعي ونتوجه إلى الله بالدعاء أن يفك أسر الشيخ رائد وكل الأسرى ويلهمهم وذويهم الصبر ويعظم لهم الأجر ويفك الحصار عن غزة وأهلها الصامدين.وكل عام والمسلمين إلى ربهم أقرب ونفوسهم لإخوانهم أطيب .