بينما يحتدم الجدال في بعض الدول العربية حول أي طرف يُعتبر أكثر اعتدالاً وانفتاحاً على العالم، يسود في الصومال جدال من نوع آخر بين «حركة الشباب» المعارضة وولاية «بونت لاند» (بلاد بنط): أيهما أكثر تطبيقاً لأحكام الشريعة الإسلامية. واشتد الجدال بين الطرفين بعدما أعلنت «حركة الشباب» أن مقاتليها ينوون الاستيلاء على أهم مدينة في الولاية، بوصاصو، في شمال شرقي البلاد، وأنهم سيخلصون سكانها من الرئيس «المرتد» والمعارضة «الغبية». قبل ثلاثة أعوام، كانت «حركة الشباب» تنفي أن لها وجوداً في ولاية «بونت لاند» على رغم أن ممثلها، محمد سعيد أتوم، كان يحارب قوات الأمن الإقليمية قرب بوصاصو، المدينة التجارية المطلة على الساحل الجنوبي لخليج عدن. وكان مقاتلو أتوم، الذي تقول الأممالمتحدة إنه متورط في تهريب أسلحة تسلمها من أريتريا إلى «الشباب»، يتمركزون في سلسلة جبال «غال غال» الواقعة بين «بونت لاند» و «جمهورية أرض الصومال» في شمال غربي البلاد. إلا أن التغيّر الذي حصل في جنوب البلاد حمل «حركة الشباب» على تغيير سياستها تجاه «بونت لاند»: فمقاتلوها خرجوا من العاصمة الصومالية، مقديشو، في آب (أغسطس) 2011 بعد انتكاسات عسكرية متتالية. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي انسحبت أيضاً من مدينة كيسمايو، مما يعني أنه لم يعد للحركة منطقة مهمة تخفي فيها جنودها وتستطيع الإقامة فيها لمواصلة حرب العصابات. وإذا ما كان يُقال بخفاء قبل أعوام، تم جهره الآن: فحركة الشباب اليوم تجهر، وبلسان متحدثها الرسمي، بأن مقاتليها يحاربون قوات «بونت لاند»، بل تتوقع بإطاحة الإدارة المحلية فيها «قريباً بإذن الله»، وفق تصريح صحافي أدلى به الأحد المتحدث باسم الحركة شيخ محمود علي راغي. وقد ردت الحكومة في «بونت لاند» على تصريحات راغي المعروف بعلي ديري (أو علي الطويل) بشدة، قائلة إن حركة الشباب «تريد التحريض على أعمال شغب وإخلال بالنظام العام في داخل بونت لاند»، مضيفة أنها ستتعامل مع أي عمل يخل بالأمن على أنه من تدبير «إرهابيين يهدفون إلى الإساءة إلى استقرار بونت لاند». وكان علي الطويل قال في تصريحه إنه «في وقت غير بعيد، سيرفع المجاهدون راية الجهاد» في مدينة بوصاصو، وإن الرئيس عبدالرحمن شيخ محمد «سيسقط بإذن الله». وأظهرت تصريحات الجانبين تنافساً حاداً بين «بونت لاند» التي تتخذ من مدينة «غارووي» مقراً لها و «حركة الشباب» حول «الشريعة الإسلامية» وأيهما أكثر تطبيقاً لأحكامها. إذ أكدت غارووي أن دستورها «يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية» وأن «حركة الشباب» ما هي إلا «مجموعة عنف متعطشة للدماء، وأنها تنتهك أحكام الشريعة الإسلامية، وهي جزء من منظمات إرهابية دولية». من جانبه، توقّع علي الطويل أن مرحلة «الذل» و «الاستعمار» في هذه المناطق ستنتهي قريباً، واصفاً الرئيس ب «المرتد» والمعارضين لإدارته التي تتمتع بحكم ذاتي بأنهم «أغبياء» لأنهم جميعاً لا يحتكمون إلى الشريعة الإسلامية. وتأتي التطورات الجديدة بين «الشباب» وإدارة «بونت لاند» في وقت تمر هذه الإدارة بمرحلة حرجة. إذ اشتكت المعارضة بشدة من محاولة رئيس الإدارة تمديد فترة ولايته بعام آخر وقوله إن الانتخابات الرئاسية ستعقد بعد عام. وكانت مناطق من «بونت لاند» شهدت مواجهات دامية بين مقاتلي «الشباب» وقوات الأمن، مما أثار مخاوف لدى سكان هذه المنطقة التي كانت تتمتع بأمن نسبي منذ تأسيسها في 1998، بأن مقاتلي «الشباب» قد حوّلوا قتالهم إلى مدنهم. ويستبعد كثيرون قدرة مقاتلي «حركة الشباب» على اجتياح مدينة بوصاصو في المستقبل القريب أو الاستيلاء.