صدور الجبال.. معقل النمر والصقر    قريباً في جدة    أرسنال والريال في لقاء مصيري.. والإصابات تخيف البايرن أمام الإنتر    هل ضاعت الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي؟    مواقف في بيت ثعابين    تعليق الدراسة الحضورية في نجران بسبب موجة الغبار والأتربة    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.316 سلة غذائية في محلية مروي بالولاية الشمالية في السودان    قلق أممي من غارات «إسرائيل» على المدنيين بلبنان    مفوضية اللاجئين تحذر من عواقب تجاهل وضع السودان    توترات جديدة في العلاقات الفرنسية - الجزائرية    انطلاق أعمال الدورة ال47 للجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية    تحت إشراف مركز الملك سلمان للإغاثة.. فريق «البلسم» الطبي يصل سورية استعدادًا لإجراء 95 عملية ضمن المشروع الطبي التطوعي لجراحة وقسطرة القلب    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    مجلس الأعمال السعودي - الفرنسي يبحث تعزيز الشراكة في القطاع الصحي    برشلونة يتأهل إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لأول مرة منذ 6 سنوات    الأخضر تحت 17 عاماً يعاود تدريباته استعداداً لنصف نهائي كأس آسيا    إجراء قرعة دوري الإدارت الحكومية لكرة القدم 2025 بمحافظة حقل    بلدية محافظة البدائع تفعل "اليوم الخليجي للمدن الصحية"    سمو أمير الباحة يتسلم تقارير منجزات أمانة المنطقة والبلديات    الأمير سعود بن نهار يطلع على منجزات ومبادرات أمانة الطائف    مؤسسة الوليد للإنسانية وجمعية الكشافة توقعان اتفاقية استراتيجية لتمكين الشباب    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    محافظ الطائف يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية الفنون البصرية    مؤتمر القدرات البشرية.. مجمع الملك سلمان يقدم ثلاث مبادرات نوعية    مركز الملك فيصل يصدر "كتاب الأزمنة" للمُبرّد    أمسية بتبوك تستعرض الصالونات الأدبية ومكانتها الثقافية    تعليم الباحة يطلق جائزة الشيخ الدرمحي للتميز التعليمي    تعليم الطائف ينفذ مشروع معاذ للسلامة الإسعافية في مقرات العمل    "بينالي الفنون الإسلامية 2025" يواصل استقبال زوّاره في جدة    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    أمير المدينة يستعرض أداء الأجهزة الأمنية    الشارقة يكسب التعاون ويتأهل إلى نهائي أبطال آسيا 2    نائبا أمير الرياض والشرقية يعزيان أسرة بن ربيعان    رئيس الشورى يستقبل سفراء خادم الحرمين المعينين حديثًا    20 ناطقا بغير العربية ينافسون عربا بمسابقة قرآنية    العام الثالث من الحرب السودانية: فظائع متصاعدة ومجاعة كارثية    90% من سكان غزة أصبحوا مشردين وإسرائيل ترفض الدولة الفلسطينية    الشورى يطالب التجارة بتطوير نماذج عمل جمعيات حماية المستهلك    ترقية 10112 فردا من منسوبي حرس الحدود    بخيل بين مدينتين    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    السعودية للكهرباء تحصد 5 ميداليات في معرض جنيف الدولي للاختراعات    البنك المركزي السعودي: حصة المدفوعات الإلكترونية تصل إلى %79% من إجمالي عمليات الدفع للأفراد في 2024م    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    أكد ضرورة الاهتمام بالمتميزين في المنطقة.. أمير الرياض: مليون ريال دعم سنوي لجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع    في النسخة الخامسة ل" سباق جائزة السعودية الكبرىstc".. إثارة» الفورمولا 1» تعود على أسرع حلبة شوارع في العالم    تطوير التعاون السعودي الأمريكي بقطاع التعدين    "غروسي" يزور إيران وروسيا تراقب وأوروبا تفرض عقوبات.. واشنطن وطهران بجولة تفاوض نووية ثانية على طاولة روما    الحقيقة التي لا نشاهدها    الجبير ومسؤول أوروبي يستعرضان التعاون المشترك    انعدام الرغبة    الفلورايد تزيد التوحد %500    تأثير وضعية النوم على الصحة    دول غربية تعالج التوتر بالطيور والأشجار    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    الزامل مستشاراً في رئاسة الشؤون الدينية بالحرمين    إطلاق 2270 كائنا في 33 محمية ومتنزها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«وجدة» ...التمرد على الخضوع الأنثوي
نشر في الحياة يوم 08 - 01 - 2013

لا تكمن أهمية فيلم «وجدة»، الذي عُرض في الدورة التاسعة لمهرجان دبي السينمائي، ونال جائزة أفضل فيلم، في القصة البسيطة التي بثتها كاتبته ومخرجته هيفاء المنصور عن طفلة تتمنى امتلاك دراجة هوائية وتسعى إلى اقتناءها، على رغم معارضة والدتها ومعلمتها بوازع تحريمي لدى مجتمع قبلي محافظ، يرفض مثل هذه الأمنيات التي لا تصلح للإناث.
لكن الفيلم يتكامل بعناصره الفيلمية المجودة في سيناريو مشغول باحترافية عالية، وإيقاع زمني متماسك، وزوايا تصوير خارجية وداخلية مختبرة، ومونتاج وأزياء ومؤثرات صوتية متقنة... ، فكل ذلك يأتي في كفة وبما بثه من مواضيع كاشفة لبعض ما تعانيه المرأة السعودية من الفكر الذكوري يأتي في كفة أخرى، ولا سيما الذي تسهم به المرأة بنفسها في تكريسه، وفي تحنيط ذاتها في قوالبه العتيدة التي لا تريد الخروج منها، بل وتستسلم لها بكل خنوع ورضوخ، وتنميها وتربي أجيالها المقبلة عليها.
فالمخرجة المؤلفة «المنصور» عالجت موضوعات عميقة بخفة فنية ضمن أسلوب إخراجي يبتعد عن الميلودراما التضخيمية، ويقترب كثيراً من واقعية عصرية، أو ما يمكن تسميته بالسينما الشخصية، المتخففة من حمولات المباشرة والشعاراتية والتراجيدية، والمتأسسة على دوافع سلمية غير صدامية، محبة للبيئة والحضارة والثقافة الآتية منها، ومع ذلك محققة لرؤية تنهل من الشخصي (غير السِّيرَي أو الذاتي) المتداخلة مع المحيط البيئي العام. وهو ما يمكن تلمس سماته في أسلوبها الإخراجي، بكيفية تشي باستشفاف تأثير مخرجي أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة فيها أمثال: «فيتوريو دي سيكا»، «فرانشيسكو روزي» و«روبيرتو روسيليني» المندمجة مع تيار الواقعية الإيرانية الجديدة لعائلة مخملباف وكيارستمي وبناهي وغبادي ومجيد مجيدي..، وهيفاء المنصور إذ تسرد قصة «وجدة» في الزمن الراهن ترجع، كما يبدو، في بعض التفاصيل إلى حياتها الخاصة وذاكرة طفولتها، ففي أحد مشاهد الفيلم يشعر المشاهد وكأن الزمن يعود إلى بدايات التسعينات أو بالأحرى إلى سنوات طفولة المخرجة، إذ كانت تُسمع الأغنيات عن طريق الأشرطة الكاسيت، ويتم تبادل التعبير الشعوري والتهنئات عن طريق البطاقات البريدية والرسائل الورقية، في حين أننا نعيش في زمن التواصل الإلكتروني.
إذنْ من خلال أمنية وجدة (الطفلة وعد محمد) نلتقي بوالدتها (الممثلة ريم عبدالله) الموظفة المجسدة لنموذج متنامٍ للمرأة السعودية المعاصرة الواقعة تحت ضغوطات تدرك سطحها، لأنها تمس حياتها اليومية ولا تدرك عمقها، لأنها منغمسة في خضمها الجارف، لذلك تقف منصاعة لحراكها، من دون أن تفكر في نبذها أم «وجدة» تدرك معاناتها مع السائق الذي يتحكم في وقتها، ولا تفكر لحظة واحدة في أن تقوم هي بسياقة سيارتها إذعاناً منها للواقع، وخضوعاً لما تمليها عليها الأعراف السائدة، وفي اللحظة ذاتها تدرك حالتها الرهابية من أن يتزوج أبو وجدة (الممثل سلطان العساف) عليها، وتعرف أن والدته تبحث له عن عروس، من دون سبب أو نقيصة تستوجب ذلك، سوى الرغبة الأنثوية السادية من أم الزوج والزوج نفسه في سحق وتحطيم نفسية الزوجة، أو لإثبات الفحولة والثراء للتباهي في محيطه.
هي أشياء عميقة تتم في الخفاء لا يدركها سوى أبناء المنطقة، وربما ليس لديهم تفسير لها. أم وجدة لا تتخذ أية تدابير لإيقاف هذا البحث ولا تحاول نزع الفكرة من رأس الزوج، بل تسأل القدر متى سيتم ذلك؟ لأنها تعي أن عادة الزواج المتعدد أصبحت مستشرية يمارسها الذكور بمساعدة الإناث، على رغم حال الحب الهادئة التي يعيشها مع الزوجة، إذ تخضع لحسابات أخرى، تجوس في الثقافة الذكورية التي تتخذ من الإرهاب النفسي الممارس على المرأة طريقاً آخر، لإخضاعها وتذليلها، بدافع يصهر التركيبة السيكيولوجية الأنثوية المعقدة التي لا تخلو من بقايا ثقافة التحكم في الإماء والسبايا، تلك الموغلة في الإرث الخفي لثقافة «الحريم» في الجزيرة العربية. الفيلم لا يقول ذلك بصريح العبارة، لكنه التحليل الأنثبولوجي الذي يشي إليه.
في حين تظل «وجدة» تحث والدتها على اقتناء (الفستان الأحمر) الذي شاهدته وتمنت ارتداءه، ليس لأنه سيعجب والدها - كما ترجو الأم -، بل لأنه جميل عليها، وفي ذلك تحريض رمزي، على التمرد على الخضوع وتحقيق الذات الذي تدركه الطفلة بفطرتها المتطلعة، مثلما تمنت اقتناء «دراجة» لتلحق وتتغلب على صديقها (الذكورية) ابن الجيران عبدالله (الطفل عبدالرحمن الجهني)، في رمزية لمّاحة لشق طريق الحرية بوسيلة (دراجة خضراء) مسالمة، ويدرك عبدالله هذا التوق للحرية ويباركه بفطرته البريئة فيقول لوجدة: «ترى إذا كبرت بتتزوجيني».
في مسار آخر من الفيلم يدخل المشاهد إلى مدرسة البنات ويقف على عينة من الممارسات الضاربة في الرجعية والتجهيل الذي تكرسه المعلمات. فحصة مديرة المدرسة (الممثلة عهد كامل)، نموذجاً لفئة من المعلمات اللاتي يمعّن في ترسيخ الذكورية وتثبيت الخضوعية الأنثوية، ومن دون شك يعاني الأهالي المتفتحون من تعليماتهن بسبب تدخلهن في تربية بناتهم وفق محددات صارمة تستقي عناصرها من التقاليد البالية المجيرة، دائماً باسم القيم المحافظة.
وفي كل الأحوال، تضع هذه المفاهيم جل تركيزها على فداحة الخطر الذكوري المتوهم بما يمكن أن يلحق بالمرأة، جراء التعامل مع الرجل أو حتى الاختلاط به.. هنا نتذكر فيلم «اليوم الذي أصبحت فيه امرأة» للمخرجة الإيرانية مرضية مخملباف، إذ تتشابه - إلى حد ما - فكرة بلوغ الفتاة السن التي ينبغي عليها فيها أن تحتشم وتتوارى وراء العباءة وغطاء الوجه، لأنها أصبحت امرأة ولم تعد طفلة.
نتذكر الفتاة ذاتها وقد انخرطت في سباق بالدراجات، بينما يحاول رجال القبيلة ثنيها على الاستمرار فيه، ثم نتذكر فيلم «حالة تسلل» للمخرج الإيراني جعفر بناهي عن الفتيات اللواتي رغبن في حضور مبارة كرة القدم في الملعب مع الرجال.
على هذا النحو يتعرض الفيلم بالخفة ذاتها الإيحائية للبرغماتية والفكر النفعي الذي بات يهيمن على التعاملات، للوصول إلى الأهداف، فالطفلة «وجدة» أدركت أنها يمكن أن تصل إلى مبتغاها من خلال مشاركتها في مسابقة تحفيظ القرآن والفوز بجائزتها، على رغم أن دافعها ليس دينياً صرفاً، لكنها تكسب تعاطف معلمتها ومديرة مدرستها ووالدتها وتجعلهن يقفون معها، لتحقيق هدفها الظاهر، في حين تفاجئهن بالهدف الباطن عندما أعلنته،غير أن «وجدة» لم تلجأ إلى هذه الطريقة، إلا عندما وبّختها مديرة المرسة على قيامها ببيع الأشرطة الكاسيت والإكسسورات التي تستهوي الفتيات ولفتت نظرها إلى ضرورة تغطية رأسها وتغيير حذائها المشابه لأحذية الأولاد، وهنا تلتمع أسئلة أثناء المشاهدة: هل اتخاذ الوسائل باسم الدين يبرر تحقيق الغايات؟ هل يريد المجتمع أن يبدو ظاهر الأشياء دينياً، لكي يمررها؟ لكن في تفسير آخر يمكن القول بأن ما فعلته ناتج من طبيعة شخصيتها المتمردة والمحبة، فدلالة اسم «وجدة» ترمي إلى حال الوجد والحب والتوق والمحبة. ومع كل تلك المواضيع المطروحة برشاقة في الفيلم والتي سيدركها المشاهد ابن البيئة، وقد تُخفى - ربما - على المشاهد من بيئات أخرى، تظل القصة الرئيسية ولطافة أداء الطفلة وعد محمد الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي 2012، وأيضاً رقة وواقعية وطبيعية أداء ريم عبدالله (الذي يعد انقلاباً على طريقة تمثيلها في الدراما التلفزيونية التي ظهرت فيها «كمانيكان» متكلفاً بغير أحاسيس تستعرض جمالها الشكلي في شخصيات باهتة بلغة جسد جامد ووجه ثلجي)، تظل هي عوامل الجذب للفيلم.
وأخيراً لا مبالغة فيمن يعتبر أن الفيلم احتل الرقم الثاني في المنجز السينمائي السعودي الروائي الطويل بعد فيلم «ظلال الصمت» للمخرج عبدالله المحيسن، وأنه نتيجة للشراكة والدعم والصداقة التي جمعت هيفاء المنصور بالناشط السينمائي مدير مهرجان دبي السينمائي مسعود أمر الله، في حين كفّرت شركة روتانا عن غلطيتها وتجربتيها المتواضعتين في إنتاج فيلمي «مناحي» و«صباح الليل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.