على رغم استبعاد المصارعة الحرة من قائمة الألعاب الأولمبية، إلا أن بعض القنوات العربية المتخصص بالرياضة ما زال مصراً على ترويجها، ربما لأسباب تتعلق بملء ساعات البث الطويلة، أو لأنها من أنواع الرياضة القادرة على جذب شريحة معينة من الجمهور. وبحسب مبدأ التقليد الرائج في برامج البث الفضائي، جهد معظم الفضائيات الرياضية لتقديم هذا النوع من المصارعة، إضافة لوجود فضائية متخصصة بتقديمها على مدار 24 ساعة، منها من لم يكتف بتقديم المصارعة الذكورية، بل حاولت ترفيه المشاهدين بحلبة أنثوية أبطالها من نجوم مجلة «بلاي بوي»، لتقدم نموذجاً أسوأ من بقية المحطات التي تعتمد على التلفيق في بث برامجها، مع ادعائها بأنها تبث في شكل حصري. فبعدما كان المراهق العربي يشاهد جون سينا والاندر تيكر وباتيستا، بات يشاهد العنف غير اللطيف، مثل شد الشعر والقرص والعض، أو مسح الحمرة عن الشفاه، إضافة إلى حركات وإيحاءات جنسية على الحلبة مستعارة من الأفلام السود. هكذا ومن دون انتباه الأسرة العربية لما يتلقاه أبناؤها من الشاشة الصغيرة، وهم يقلدون العروض المنوعة، ويقومون بحركات غريبة لا يدركون معناها، وحركات عنيفة استمدوها من المصارعة الحرة على أنها حركات رياضية، كالضرب المبرح والقفز من أماكن عالية والضرب بمطرقة أو قطعة معدنية، وهي حركات خطرة يقوم بها المراهق محاولة منه لإثبات بطولاته الفردية، مثل نجوم تلك الرياضة المثيرة بالنسبة إليه، من دون أن يدرك المسكين أنها مجرد مسرحية، أو ما يعرف برياضة المحاكاة التي تعتمد على التمثيل والأداء المسرحي على السواء، تقدمها شركات ومؤسسات تجارية، هدفها الأول والأخير جمع المال والربح، ومن دون أن يدرك أطفالنا أن معظم العضلات التي تلمع على الشاشة، ليست سوى استعراض لأجساد محقونة بأدوية صنعت لهذا الهدف، ومنها ما صنع للخيول والحيوانات. كما أن من يقوم بإدارة هذه الرياضة شركات ومؤسسات ربحية لها طاقمها الخاص من المصارعين الرجال والنساء على حد سواء، وهي من صنعت نجوميتهم بإتقان، غير أنها لا تكتفي بما تجنيه من أسعار بطاقات الدخول أو المراهنات غير الشرعية، بل تروّج لبيع الألبسة والأكسسوارات الرياضية التي يستخدمها المصارع. بالطبع هناك مجتمعات اعتادت هذه البرامج وتتابعها في شكل حي، لكنها تعرف أنها تحضر عرضاً (شو) لا بطولات حقيقية، وينبه المسؤول عن إدارة هذه البرامج إلى عدم تجريب المشاهد ما يقدم له في المنزل، إضافة إلى أن ما يشاهده ويسمعه المتابع الغربي من ألفاظ خادشة للحياء لا تتناسب مع أعرافنا وتقاليدنا، كأن يرافق المصارع (الهرقل) مجموعة من النساء، أو معجبة إلى الحلبة ترتدي ملابس فضائحية محاولة إبراز أجزاء من جسدها، وتقوم بحركات تجارية هدفها إثارة المشاهدين. المؤسف أن بعض الفضائيات العربية لم يعد يهتم بما تورّده لمجتمعاتها التي تعاني من العنف الأسري والاجتماعي، ويبدو واضحاً أن غايتها المال فقط، من دون رادع أخلاقي أو مهني، إذ تعتقد أن مثل هذه البرامج ستدخلها مضمار المنافسة مع الفضائيات الغربية، وتجذب عدداً أكبر من الجمهور، وتظل كرة القدم وغيرها من الرياضات المهذبة محتكرة ولا يشاهدها إلا من يملكون أموال فك التشفير، ولا يمكننا الحديث عنها لأننا لم نشاهدها، وبقيت في ذمة تجار البث الفضائي، وحقوق الاحتكار والابتزاز.