من قال إن العرب لا يعرفون من الرياضة سوى كرة القدم؟ وأنهم لا يلتفون حول الشاشات إلا لمتابعة أحداث مباريات الساحرة المستديرة؟ ولا يؤجلون أعمالهم ويخططون لأوقات راحتهم إلا لمتابعة مباراة مثيرة في دوري الأمم أو كأس القارات؟ شعبية طاغية تحظى بها مباريات المصارعة الحرة على الفضائيات العربية؟ لا يكاد يخلو بيت عربي من عاشق أو اثنين من الجنسين لهذه الرياضة العنيفة التي لا تخلو من دراما. أجسام أقل ما يمكن أن توصف به أنها ممشوقة، وعضلات مفتولة تدين بالكثير للعلم الحديث الذي نفخها إلى درجة تنذر بالانفجار، وجو عام تتوافر فيه كل عوامل الجذب: إثارة، عنف، تهديد ووعيد، نساء وفتيات باهرات الجمال في كل صوب، إضاءة مبهرة، ومباراة في الضرب والتمثيل والتشويق لا يضاهيها نهائي «الأهلي» و «الزمالك» في الدوري المصري أو «أرسنال» و «مانشستر يونايتد» في الدوري الإنكليزي. وعلى رغم ان الغالبية المطلقة من المباريات التي تبثها برامج المصارعة الحرة مستوردة وتخلو تماماً من أي نكهات عربية أو وجوه شرقية أو حتى نفحات شرق أوسطية، فإن مباريات المصارعة تحظى بمكانة خاصة داخل غرف جلوس البيوت العربية. وعلى رغم كل ما يقال عن ضرورة مناهضة العنف، وحتمية التصدي للدراما التي تروج له، يبقى مشهد الأب الذي يلتف حوله أبناؤه لمتابعة المباراة المثيرة بين سيينا وباتيستا أو الجد الذي ينسى وهنه وضعفه ويلوح بقبضته في الهواء من المشاهد المعتادة في بيوتنا. شعبية هذه الرياضة تعكس الكثير من الأسرار. فهي تؤكد استمرار هيمنة الصورة الذكورية المثالية التي يهيأ للبعض أنها من سمات الماضي. فالرجل الحق هو ذلك المتمتع بعضلات مفتولة ووجه متجهم الملامح وصوت أجش وإصرار على هزيمة الخصم مهما كلفه ذلك من إراقة دماء أو تفتيت عظام أو كسر رقبة. ليس هذا فقط، بل إن ساحة المباراة تشهد ترجمة حقيقية لتأكيد هذه الصورة، فالنساء الجميلات اللواتي لا يجرؤ معظم الرجال على مجرد حلم الارتباط بهن، نجدهن يتهافتن على المصارعين تهافتاً كفيلاً بأن يوغر صدر كل المشاهدين الذكور. الحالة التي تخلقها مباريات المصارعة الحرة هي حالة غريبة جداً. فهي تروج للعنف في قالب بالغ الجاذبية، وتجعل المشاهد يتخيل أنه يطالع مشاهد جذابة فيها خليط ممنوع - مرغوب من جمال القدود الذكورية والنسائية. وعلى رغم أن البلدان التي تصدر لنا مشكورة هذه المباريات ذات الشعبية المرتفعة عربياً تخوض جدلاً حامياً يطالب من خلاله كثيرون بجعل مثل هذه الرياضات العنيفة غير شرعية، بهدف منعها، فإن ذلك لا يعني لنا شيئاً. ترتكز مطالبات المنع الى دراسات علمية أكدت وجود علاقة قوية بين زيادة معدلات العنف بين الأطفال والمراهقين، وهما الفئتان الأكثر مشاهدة للمصارعة، وبين متابعة مباريات المصارعة في شكل منتظم. الأدهى من ذلك هي مباريات المصارعة الأخرى الأكثر تخصصاً، مثل مصارعة الأقزام والتي تعد سبة في جبين الأعراف الإنسانية. كذلك مصارعة النساء التي تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة جداً جداً من جانب المشاهدين العرب المحبين ل «المصارعة»، ولكن على متن اليوتيوب، بما أن عاداتنا وتقاليدنا المحافظة لا تسمح بها!