أذكر عبارة «مصارعة رومانية» في مصر، وسيحدثك الجميع عن طرفي نقيض: كرم جابر وأطفال الشوارع! ربما لاحظ بعضهم أن نقوشاً فرعونية على مقابر «بني حسن» في المنيا توضح الحركات والخطفات المعروفة في قواعد اللعبة الحالية، وقد يعي اختصاصيون أن هذه الجدران تحوي 240 حركة من حركات اللعبة التي تزاول اليوم. الأكبر سناً سيحكون عن أزقة وحارات في قاهرة زمان التي كان بعض أرجائها يتحول مراكز تدريب «شارعية» تسفر عن مباريات ومنافسات شعبية على حلبات مقامة في هذا الشارع أو تلك الحارة. الأصغر سناً يعرفون أن المصارعة هي معركة تكسير عظام بين رجلين تنضح ملامحهما بالقسوة والشراسة، وأن المهمة تنص على أن «يعدم» أحدهما الآخر العافية. الشباب سيميلون إلى متابعة جزء مما تيسر من هذه المباريات لو أتيحت لهم على شاشة هنا أو هناك، لكنهم على الأرجح سيهجرونها من دون تفكير إن كان «الأهلي» يلعب هنا أو «الزمالك» ينافس هناك. أما البنات فمنهن من تغمض عيناً وتفتح أخرى لتشاهد «الضرب»، وإن كانت العين المفتوحة قد تنظر بإعجاب إلى العضلات المفتولة والأكتاف المجدولة. تسألهن عن موقفهن من المزاولة، يأتي الرد سريعاً: «نو واي... استحالة»! استحالة أخرى تبدو كامنة في فكرة مزاولة أطفال الشوارع في مصر، القنبلة التي تحولت من حالة «الموقوتة» إلى حالة «المنفجرة»، لهذه الرياضة المصرية الأصيلة التي تبدد وجودها وفقدت أهميتها، ليس فقط في الفضاء الأولمبي، ولكن في سماء المحروسة. سماء المحروسة التي أنجبت البطل الأولمبي الأسطورة كرم جابر تضرب كفاً بكف عجباً واندهاشاً وكمداً وحزناً! فتاريخ مصر الحافل بوضع قواعد اللعبة ومشاركة الأبطال المصريين وفوزهم في الدورات الأولمبية منذ عقود طويلة والتي تكللت بمنجزات جابر لم يعد يتسع لمزيد، لا لأن مواهبه الرياضية نضبت أو يئست، ولكن لأن الاهتمام الأكبر مخصص لكرة القدم! وعلى رغم ذلك، هناك من يرى في تلك الرياضة مخرجاً له أو لمن حوله من مشكلات كثيرة، وليس أدل على ذلك من الجهود التي تبذل من أجل إدماج بعض أطفال الشوارع في مزاولة هذه الرياضة. الجمعية المصرية لبناء المجتمع بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة مدعومين من منظمة الأممالمتحدة للطفولة «يونيسيف» تبنّت فكرة تدريب مجموعات من أطفال الشوارع على المصارعة في نادي الترسانة الرياضي في حي المهندسين، تجربة أثبتت نجاحاً باهراً من الناحيتين النفسية والرياضية! مدرب الأطفال كابتن أحمد أبو طالب يؤكد أن المصارعة الرومانية هي الرياضة الأنسب لأولئك الأطفال الذين يجدون فيها متنفساً من ضغوط شديدة يتعرّضون لها في الشارع. وليس أدل على ذلك من تفوقهم في المباريات التي يتنافسون من خلالها مع أطفال يعيشون حياة عادية مع أسرهم! هذه النتائج التي يحققها أطفال الشوارع في المصارعة الرومانية لا تقل إبهاراً عما حققه جابر بطل مصر والعالم. كما أنها لا تقل إبهاراً عن عدم الاهتمام بهذه الرياضة التي كانت تنتشر في الأحياء الشعبية في عصور مضت، وهو ما كان يسفر عن أبطال عالميين. كما أن كل تلك العوامل المضيئة لا تقل إبهاراً ودهشة عن توصية اللجنة الأولمبية الدولية باستبعاد المصارعة من أولمبياد 2020!