أصبح الشبان السعوديون يتصدرون لوائح المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية، خصوصاً ضمن الانتحاريين. ولعل جولة سريعة على المقاطع المصورة في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر عشرات الأفلام لشبان سعوديين، يتحدّثون قبيل تنفيذهم عملية انتحارية في مدينة سورية أو عراقية. ويوحي ما يبّث عبر مواقع الإنترنت وشبكات التواصل أن تجنيد هذه التنظيمات للشبان السعوديين من أولى أولوياتها. وعلى رغم عدم وجود إحصاء دقيق لعدد المقاتلين السعوديين المنضمين إلى صفوف الجماعات الإرهابية، إلا أن التقديرات تشير إلى وجود ما بين 2000 إلى 2500 مقاتل. لكن اختصاصيين في متابعة شؤون هذه التنظيمات، لفتوا إلى أنها تحاول الزج بأسماء سعودية في كل عملية إرهابية، بهدف «الكسب الإعلامي، وإضافة طابع الشرعية على عملها الإرهابي، حتى لو كانت أدوار هؤلاء السعوديين ثانوية». ويمثّل تجنيد الشبان السعوديين «تهديداً كبيراً» على مستوى المملكة، كما أكد الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي، الذي أشار إلى أن هناك «تهديدات أمنية نواجهها»، موضحاً أنها تتمثل بشكل رئيس في «محاولات الجماعات الإرهابية تجنيد الشبان السعوديين، للذهاب إلى مناطق الاقتتال، أو تهديد أمن البلاد من الداخل». إلا أنه أكد أن «الإمكانات التي توفرها الدولة للجهاز الأمني واللحمة الوطنية، تتصدى بقوة للمحاولات الإرهابية التي تضر بالمملكة». ويعتقد الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية حمود الزيادي، أن استقطاب السعوديين من «أولى أولويات التنظيمات الإرهابية في المنطقة»، عازياً ذلك إلى أن «التنظيمات تريد أن تضفي الشرعية على أعمالها». وقال: «تجنيد السعوديين من أبرز أولويات الجماعات الإرهابية، فتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) أو «القاعدة» مثلاً، يسعيان إلى إضفاء مشروعية وتوكيد للبعد الأيديولوجي، من خلال انتماء عناصر سعودية لهما، كون المملكة موطن الحرمين الشريفين». وأشار الزيادي في حديثه إلى «الحياة»، إلى هدف آخر، يتمثل في «الإفادة من قدرة العناصر السعودية على التمويل المالي، سواء من طريق تلك العناصر مباشرة، التي ينتمي بعضها إلى أسر ميسورة تجارياً، أو عبر علاقاتهم بمؤسسات خيرية، أو رجال أعمال، وقوى مجتمعية، قد لا تعلم الأسباب الحقيقية لوجهة التبرّع. والأهم وهو الأخطر تهيئة تلك العناصر لتكون بمثابة نواة لتشكيل خلايا إرهابية تنشط لاحقاً في الأراضي السعودية، لاستهداف أمنها واستقرارها». وعزا الزيادي سهولة انسياق الشبان السعوديين وانتمائهم إلى التنظيمات الإرهابية، إلى أسباب عدة، «قد تتشابه مع حالات استقطاب جنسيات أخرى في أي مجتمع من المجتمعات، أو تفترق عنها في بعض الجوانب، وفق طبيعة كل بيئة مجتمعية. وقد تختلف من عنصر سعودي إلى آخر، وتتداخل فيها حالات الأزمات والإحباطات الشخصية ومحاولة البحث عن دور لذات تشعر بالخواء والفراغ والهشاشة الفكرية والمعرفية، مع محرّض ومعزز مقدس كمفهوم الجهاد». لكن العوامل الأكثر إجمالاً، من وجهة نظر الباحث، تتركز في «ضعف مفهوم الانتماء الوطني، الذي كان للحركات «الإسلاموية» دور كبير في تقبيحه خلال عقود مضت، إضافة إلى الجهل بالسياقات السياسية التي تدور فيها الاضطرابات والصراعات، وغياب بناء العقل النقدي الفردي المستقل، والاعتماد على المعرفة الدينية المؤدلجة وغير المؤسسة على نظرة حضارية للكون والإنسان، مع ضخ دعوي هائل مستمر ومركّز من قبل الحركيين «الإسلامويين»، عن دعاوى متكررة باستهداف مقصود للدين الإسلامي، يوجّه وفق التكتيكات السياسية ضد أفراد، أو منظومات مجتمعية، أو دول معينة، لتحين فرصة استثمار تلك «الحالة التعبوية» في أوقات الأزمات والاضطرابات بسهولة». وتُعد المساجد والمراكز الصيفية وحلقات تحفيظ القرآن، محاضن تقليدية نشط فيها «حركيون» سابقاً في شكل واضح. حتى أصبحت مراكز تجنيد، ومن ثم «الابتعاث» لاحقاً إلى بؤر الصراع قبل سنوات. إلا أن ذلك يكاد يتلاشى اليوم، لتحل بدلاً منه ساحات جديدة. وقال الزيادي: «إن وسائط التواصل الاجتماعي، في مقدمها «تويتر» و»يوتيوب»، أصبحت تشكل أهم المحاضن ووسائط الحشد والتعبئة والتجنيد، سواء للعناصر السعودية، أو حتى على مستوى الاستقطاب العالمي». ولفت إلى ما وفرته التقنية من «إمكانات هائلة وظفتها تلك التنظيمات، خصوصاً «داعش» في شكل لافت، في إيصال رسائلها المقصودة بسرعة وكفاءة فنية عالية، إضافة إلى ما توفره من أمان نسبي في التواصل، مقارنة بالوسائط التقليدية، وخلق بيئات افتراضية، تتحول لاحقاً إلى بيئات حقيقية تنشط على الأرض. وقد تقوم بعمل إرهابي منفرد، من خلال عنصر أو عنصرين، لمصلحة هذا التنظيم الإرهابي أو ذاك، من دون أن يكون هناك ارتباط عضوي مباشر في التنظيم». وأوضح الزيادي أن الفئات الشابة، خصوصاً التي تقع في الفئة العمرية من 18 إلى 25 سنة، «تظل الأكثر استقطاباً وانتماء إلى التنظيمات»، مستدركاً: «إن الأهم هو دخول المرأة أخيراً على خط الاستقطاب. لأن تلك التنظيمات تسعى إلى الإفادة من سهولة حركة المرأة في المجتمع السعودي، والسرية التي تسبغ تنقلاتها وتواصلها، لتكون مصدراً مهماً في التمويل والحشد التعبوي، فضلاً عن قدرتها في التأثير في محيطها العائلي والدوائر الأسرية الضيقة، ولا سيما الأطفال والمراهقين، وشحنهم إيديولوجياً وعاطفياً ل «نصرة» التنظيمات الإرهابية». وعن أعداد السعوديين المنضمين إلى صفوف المقاتلين في الجماعات الإرهابية، كشف الزيادي أن تقديرات مراكز الأبحاث والرصد تشير إلى أن عددهم حوالى 2500 عنصر في تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» القاعدية، وتنتمي غالبيتهم إلى «داعش»، الذي أجتذب معظم المقاتلين الأجانب الذاهبين إلى سورية والعراق. وعلى رغم العوامل المشجعة على تجنيد مزيد من الشبان السعوديين في صفوف التنظيمات الإرهابية، يعتبر الزيادي أن «إمكان التصدي والحيلولة دون مزيد من استقطاب السعوديين للجماعات الإرهابية، من خلال تأسيس رؤية وطنية شاملة، تتحول إلى برنامج عمل وطني، يدار بجدية ومسؤولية يركز على مراجعة الخطاب الديني ونقده، وإبراز قيم التسامح والسلام وتعزيزها، وتكريس الانتماء الوطني وتمجيده، والعمل على بناء أجيال تؤمن بمفهوم العقلانية والمنطق عبر التأسيس لمناهج تعليمية تحاكي هذه الرؤية والتصور. لتكون حصناً يتصدّى للتلاعب بعواطف الأجيال والنشء، وخلق مجتمع تنموي معرفي يهتم بالفنون ويشجع على الإبداع الإنساني».