تتعرض المدارس والمعاهد والجامعات الأميركية والكندية بين الحين والآخر، لاعتداءات مسلحة تودي بحياة المزيد من التلامذة الأبرياء على اختلاف أعمارهم. وغالباً ما تقتصر ردود الفعل في الأوساط الحكومية والشعبية والإعلامية على التنديد والاستنكار، وتكرار المطالبة بوضع حد لاقتناء الأسلحة دون أن يترافق ذلك بأي إجراءات وقائية أو قانونية رادعة. ويبدو أن ما حصل أخيراً في مدرسة نيوتاون الأميركية التي تعرضت لهجوم مسلح ذهب ضحيته اكثر من عشرين طفلاً، تجاوز مشاعر الشجب والغضب وجعل حماية الأمن المدرسي، لأول مرة، مسؤولية سلطة ومجتمع. وتعود ظاهرة العنف المسلح الذي يجتاح المدارس الأميركية، وفقاً للإحصاءات الرسمية، إلى عام 1927 حين قتل 38 طفلاً في حضانة في ولاية كونيكتيكت. ومنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم بلغت حصيلة هذا المسلسل الدموي ما لا يقل عن مئتي طالب وطالبة، ما يعني أن حادثة مدرسة نيوتاون ليست الأخيرة، وقد تتكرر لاحقاً في أي موقع تربوي في ضوء ما اعقبها من تزايد في معدل مبيعات الأسلحة تحسباً لصدور قانون جديد يحظر اقتناءها، ما يدل على أن السلاح ما زال «حاجة ملحة» لدى جمهور كبير من الأميركيين. وجاء استطلاع للرأي أجراه مركز «بيو للأبحاث» بعيد الحادثة، ليؤكد ذلك الميل، إذ بيّن أن 49 في المئة يرفضون اقتناء السلاح مقابل 51 في المئة يؤيدون امتلاكه. هذا الانقسام العميق في صفوف الأميركيين حيال اقتناء السلاح الفردي ظهر أيضاً على مستويات عدة حكومية وأهلية. فالرئيس أوباما اقترح سن قانون يحد من «تنامي ثقافة العنف الشعبية» في المجتمع الأميركي ويحظر شراء البنادق الهجومية الأتوماتيكية، مطالباً هيئات المجتمع المدني بإرسال العرائض للكونغرس دعماً لمشروعه تحت عنوان «نحن الشعب والسلاح في ساحة الحرب وليس في مدارسنا وشوارعنا». وتعقيباً على الحملات المنادية بحظر اقتناء الأسلحة، يقول المحلل السياسي الأميركي غليوم لانوا إن «إنهاء الصراع الحقيقي حول ترخيص السلاح يحتم اتفاق مجلسي الشيوخ والكونغرس والرئيس وموافقة ثلاثة أرباع الولايات الأميركية»، مضيفاً أن هذا الأمر «ضرب من المستحيل». ويتساءل: «لماذا نحن البلد الوحيد في العالم الذي يتعرض لأكثر عدد من عمليات قتل التلامذة؟ ولماذا المدارس بعينها هي المستهدفة؟ ولماذا من يقوم بتلك الأعمال الإجرامية هم بغالبيتهم من الشباب؟». ويطالب بمنع عرض الأفلام السينمائية وألعاب الفيديو التي تشجع على العنف والقتل. وطرحت «الرابطة الوطنية للبنادق» NRA - national rifle association وهي أقوى تجمع أميركي مؤيد لبيع السلاح واقتنائه، ويضم حوالى 4 ملايين ونصف المليون عضو، برنامجاً لوقف القتل في المدارس يقضي بوجود «مسلح لطيف في كل مدرسة مقابل مسلح شرير» وهذا البرنامج مجاني وممول من المنظمة نفسها. ويتألف من جهاز امني قوامه متطوعون متقاعدون من الشرطة والجيش ورجال الإطفاء يقفون مسلحين عند مداخل المدارس ليردوا هجوماً محتملاً. إلا أن هذه المبادرة جوبهت باعتراضات شديدة وشعارات مناهضة على غرار «الرابطة تقتل أطفالنا» و»البنادق في المدارس ليست حلاً» و»لا مكان آمناً في مجتمع مسلح». وفي غياب أي رؤية واضحة وعملانية لحماية الطلاب من هجمات مسلحة محتملة، عرضت شركة أميركية حقيبة ظهر للأطفال واقية من الرصاص يحملونها في أي مكان داخل المدرسة وخارجها. وتلاقي هذه الحقيبة رواجاً كبيراً في الأسواق الأميركية على الرغم أن ثمنها يبلغ 300 دولار. وفي المقلب المجاور لأميركا، لم تكن كندا في منأى عن حادثة نيوتاون، بل كانت اكثر حرصاً على امن طلابها وسلامتهم جراء ما اتخذته من إجراءات وقائية وعملية لإحباط أي محاولة تسلل مسلح إلى مدارسها، علماً أن الهجمات المسلحة التي تعرضت لها المدارس الكندية وما نجم عنها من خسائر بشرية، لا تقارن بمثيلاتها في أميركا. فمنذ أول هجوم مسلح عام 1975 وإلى اليوم بلغ عدد ضحايا الطلاب الكنديين 23 طالباً وطالبة. ويعزو فرانك اوشبرغ أستاذ الطب النفسي في جامعة ميتشغن ومدير المعهد الوطني للصحة العقلية، تدني ضحايا القتل في المدارس الكندية (23 طالباً كندياً مقابل 200 طالب أميركي) إلى أن كندا «اكثر تحضراً وليس لديها جماعات ضغط قوية تسمح بحيازة الأسلحة النارية. فالقانون الكندي يفرض شروطاً قاسية على كل شخص يريد اقتناء السلاح بدءاً بالخضوع إلى دورة تدريبية وامتحان لملكاته النفسية والعقلية وصولاً إلى إخطار الشرطة بكل ما يتعلق بسرية مكان السلاح وذخيرته ونقله». واللافت أن دوائر الشرطة الكندية وضعت بعيد حادثة نيوتاون خطة طوارئ لمدة عامين تتضمن سلسلة من التدابير الوقائية في المدارس الابتدائية والثانوية. وتقضي بتدريب العاملين فيها من أساتذة وموظفين ومتطوعين من منظمات شبابية، على اتخاذ إجراءات تحاكي أي اعتداء على ارض الواقع، كإخلاء المدرسة من الطلاب، وتحديد الأماكن الآمنة فيها وتأمين ممرات خالية من أي عوائق، وجمع الطلاب والمدرسين في غرف مغلقة، وتخصيص مدخل واحد للمدرسة يخضع لمراقبة مشددة.