موقع «فايسبوك» يضجّ بالمعايدات، تطبيق «واتس أب» يفيض بالعبارات الجميلة والصور الخاصة بالعيد، وتغريدات «تويتر» لا تتوقّف حاملة الكثير من الطموحات للعام الجديد. لكنّ المنازل في لبنان لا تعجّ بالزوّار كما درجت العادة، حيث كان الأقرباء والأصدقاء يتبادلون التهاني المباشرة في زمن عيدي الميلاد ورأس السنة. فالمعايدات الإلكترونية باتت تختصر كلّ الروابط الاجتماعية، وبجملة واحدة على «فايسبوك» يمكن إرسال التهاني إلى جميع المعارف من دون الحاجة إلى تخصيص كلّ واحد منهم. وهناك العديد من الوسائل التكنولوجية الأخرى المتوافرة لجعل المعايدات غير مكلفة ومُختصرة أيضاً، وتشمل الكثيرين بكبسة واحدة. وإذا كانت الرسائل القصيرة موضة رائجة في السنوات الخمس الماضية للمعايدة، فمواقع التواصل الاجتماعي تسمح اليوم بإرسال مقاطع فيديو ومعايدات صوتية أيضاً، خصوصاً بعد أن أصبحت خدمات الجيل الثالث من الإنترنت مُتاحة للبنانيين هذا العام. إلا أنّ تفشّي هذه الظاهرة لدى مختلف الأسر اللبنانية يوحي بتحوّلات اجتماعية كبيرة جداً، على اعتبار أنّ التقنيات تعيد تشكيل علاقات النّاس حتّى في زمن الأعياد. للزيارات تكلفتها! العيد الذي طالما كان مناسبة لاجتماع أفراد العائلة الواحدة تتغيّر ملامحه سنة بعد أخرى في لبنان، والأسباب كثيرة أهمّها الجانب الاقتصاديّ. ويقول جورج، رب أسرة وأب لثلاثة أطفال، إنّ أي زيارة تكلّف على الأقلّ ثلاثين دولاراً أميركياً في لبنان، وذلك لضرورة شراء صنف من حلويات العيد وتقديمه خلال الزيارة إلى جانب كلفة المحروقات للتنقّل. وإذا كانت علاقات القربى أو الصداقة أكثر حميمية، فالهدية يجب أن تكون أغلى، في ظلّ غلاء كبير يظهر من متاجر الحلويات، حيث أصغر علبة من الشوكولا يبلغ ثمنها عشرة دولارات أميركية، وغالباً ما يرفض اللبنانيون زيارة بعضهم بعضاً إلاّ وهم يحملون هدية ولو رمزية. كما أنّ علاقات القربى تتطلّب القيام بزيارات لأهل الأب والأم، ما يرتّب نفقات عالية لا تستطيع الأسرة المنتمية إلى الطبقتين المتوسطة أو الفقيرة تحمّلها. وفي المقابل، فإنّ المعايدة الإلكترونية هي شبه مجانية وتصل إلى أكبر قدر ممكن من الأصدقاء والأقرباء الذين يواكبون التكنولوجيا الحديثة. وتوضح لمياء، إنّ شبكات التواصل الاجتماعيّ لها إيجابيات غير التكلفة مثل تهنئة أشخاص من مختلف دول العالم بالأعياد، بالإضافة إلى اختصار المعايدات من خلال إرسال نصّ واحد أو صورة لكلّ الأفراد دفعة واحدة. لكنّ لمياء لا تنكر أنّ مثل هذه الشبكات تؤدي إلى انطواء الشخص على نفسه من ناحية افتقاده للعلاقات المباشرة التي كانت من أسس الحياة الاجتماعية بالنسبة للأجداد. فالمشاركة الحقيقية بين اللبنانيين تتقلّص لصالح التقنيات الحديثة ليس فقط في المناسبات الدينية، إنما في مختلف الأحداث الاجتماعية أيضاً. نقمة التكنولوجيا إذا كان آلاف اللبنانيين يجدون في شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الخاصة بالهواتف الذكيّة طريقة بسيطة لتفادي تكاليف الأعياد والمناسبات، فإنّ الباحثة الاجتماعية وداد الخوري تحذّر من هذه الظاهرة بعد شيوعها بشكل لافت. وتؤكد وجود جانب سلبيّ للتكنولوجيا التي بات يستخدمها اللبنانيون في مختلف جوانب حياتهم، وهو إضعاف الروابط الاجتماعية إلى حدّ زوالها. وتلفت إلى أنّ المقابلة وجهاً لوجه تضيف الكثير إلى الحياة الاجتماعية لكلّ شخص وتعزّز تواصله مع الآخرين وفهمه لهم، خصوصاً خلال فترة الأعياد التي ترتكز على المحبّة والتعاون والمشاركة. وتشير الخوري إلى أنّ عملية المعايدة أصبحت بمثابة واجب يؤديه الشخص بسرعة وحتّى من دون التفكير في الأشخاص الذين يهنئهم بالعيد، من خلال كتابة جملة واحدة مثلاً على «فايسبوك». هذه الظاهرة تطاول مختلف الأعياد في لبنان، كما تقول الخوري، مثل عيدي الفطر والأضحى وصولاً إلى عيدي الميلاد والفصح ورأس السنة. ولهذا السبب تذكّر الباحثة بضرورة اعتبار فترات الأعياد فرصة للتواصل الإنساني أقلّه مع الأقارب من الدرجة الأولى والأصدقاء المقرّبين. أمّا أكثر ما تخشاه الخوري فهو أن نصل إلى وقت يبرع فيه اللبنانيون، تماماً كما الملايين عبر العالم، باستخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة في حين تتراجع قدرتهم على التعامل المباشر مع الآخرين. وهذا ما ينذر بأنّ العالم بأسره سيصبح قريباً مختزلاً بمجرد شاشة، وسيفقد اللبنانيون صفة طالما تمتّعوا بها وهي الضيافة.