عام 2012 الذي سمّاه مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي عام «الإنتاج الوطني ودعم العمل والاستثمار الإيراني»، لم يكن ناعماً على البلاد، إذ كان بامتياز عاماً اقتصادياً، لا على صعيد التقدّم في هذا القطاع، بل من خلال تدهور الريال، وتجربة العقوبات الغربية على المصرف المركزي الإيراني التي شكّلت سابقة خطرة ومهمة على مستوى التعامل المالي لطهران مع الأسواق الخارجية. ولم تشهد الملفات الإيرانية المتعددة، تقدماً ملحوظاً لتسويتها، وفي مقدمها الملف النووي الذي يراوح مكانه، في انتظار تشكيل الرئيس الأميركي باراك أوباما إدارته الجديدة. في الوقت ذاته، تستعد إيران لانتخابات الرئاسة المقررة في حزيران (يونيو) 2013، بعد انتهاء الولاية الثانية والأخيرة للرئيس محمود أحمدي نجاد الذي لم يحسده أحد على السنوات الأربع العجاف الماضية التي عانى منها، وكأن لعنة مير حسين موسوي المرشح الذي خسر انتخابات 2009 أمامه، لاحقته خلال ولايته الثانية. كان عام 2012، من أكثر السنوات تأثيراً في المواطنين الإيرانيين، بعد تراجع سعر صرف الريال في مقابل الدولار الأميركي. وفقد المواطن ثلثي مدخراته، ذلك أن العملة الخضراء التي كانت أواخر عام 2011 تساوي 14 ألف ريال، قفزت إلى 30 ألفاً أواخر هذا العام. وتأثرت العملة بتوقيع أوباما في كانون الثاني (يناير) الماضي، قانوناً يمنع التعامل مع المصرف المركزي الإيراني، وحظر الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الإيراني في تموز (يوليو) الماضي، ما فاقم المشاكل المعيشية للإيرانيين. ودفع ذلك الحكومة إلى صرف مساعدات نقدية للمواطنين، لموازنة ارتفاع الأسعار، بما في ذلك الخدمات العامة، مثل الغاز والكهرباء والماء. وعلى رغم سعي الحكومة إلى استيعاب آثار العقوبات الغربية، يبقى الترقّب سيد الموقف، بسبب غموض الوضع الاقتصادي، وعدم استقرار الأسواق التي تنظر بعين إلى المحادثات مع الدول الست المعنية بالملف النووي الإيراني، وعينها الأخرى على التدابير الحكومية لمواجهة الضغوط الاقتصادية. وللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية، أشاد خامنئي بالخطاب الذي ألقاه أوباما أمام مؤتمر ل «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية» (إيباك)، أقوى لوبي إسرائيلي في الولاياتالمتحدة. وأعلن أوباما في خطابه أن الولاياتالمتحدة لا تفكر بشنّ هجوم على إيران، فوصف المرشد كلامه بأنه «جيد ويدل على الخروج من الأوهام»، لكنه انتقد إصرار الرئيس الأميركي على مواصلة العقوبات. وقبل انتخابات الرئاسة الأميركية، نُشرت معلومات عن لقاء بين مندوبين عن خامنئي وآخرين عن أوباما، للتفاهم على إطلاق حوار إذا فاز الرئيس الأميركي بولاية ثانية وهو ما حصل. وعلى رغم نفي الجانبين ذلك، فإن الثابت أن الحوار مؤجل إلى ما بعد تشكيل أوباما إدارته، وربما إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية. وكان لافتاً أن نجاد لم يهنئ نظيره الأميركي بفوزه في الانتخابات، كما فعل عام 2008، إذ لم تلقَ آنذاك رسالة تهنئة وجّهها الرئيس الإيراني، اهتمام أوباما. وراوح الملف النووي الإيراني مكانه، على رغم عقد ثلاث جلسات لمحادثات مع الدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا)، في اسطنبول وبغداد وموسكو، لإقناع طهران بتجميد تخصيب اليورانيوم، بصفته شرطاً لإعادة هذا الملف من مجلس الأمن إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. تضاف إلى ذلك ست جلسات عقدتها إيران مع الوكالة، لتسوية قضايا عالقة بين الجانبين، أهمها إجابة طهران على مزاعم حول أبعاد عسكرية محتملة لبرنامجها النووي. وحضت الوكالة أيضاً على السماح لمفتشيها بدخول مجمّع بارشين العسكري قرب طهران، والذي تشتبه الوكالة في أن إيران نفذت فيه اختبارات سرية لصنع سلاح ذري. لكن طهران تعتبر أن تلك المعلومات بلا أساس، ولم تنجح الجولات الست في إبرام اتفاق لتسوية هذه المسائل، فيما ثمة اعتقاد بارتباط تلك المحادثات في شكل وثيق مع تلك التي تجريها إيران مع الدول الست. إلى ذلك، تابعت إيران اختباراتها على منظومات صاروخية جديدة، لمواجهة التهديدات الإسرائيلية بضرب منشآتها النووية، إضافة إلى نجاحها في إرسال سفينتين حربيتين إلى موانئ سورية عبر قناة السويس، في خطوة أعقبت سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك. وكما أنهت إيران عام 2011 بإعلانها إسقاط طائرة استطلاع أميركية من طراز «آر كيو 170 سنتينل»، كانت تحلّق في أجوائها، أعلنت كذلك أواخر عام 2012 «اصطياد» طائرة أميركية من دون طيار من طراز «سكان إيغل»، اتهمتها بانتهاك أجوائها. وأعادت طهران تأكيد موقعها في «محور الممانعة»، بإعلان مساندتها عسكرياً «حزب الله» في لبنان وحركات المقاومة في فلسطين، ومجاهرتها بمساعدة حركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي» في تكنولوجيا صنع الصواريخ، والتي استخدمتها في حرب الأيام الثمانية مع الدولة العبرية. وأعلنت إيران مراراً استعدادها لإغلاق مضيق هرمز، إذا تعرّضت لهجوم عسكري، أو مُنعت من تصدير نفطها، كما هددت بضرب المناطق التي ينطلق منها أي اعتداء، مؤكدة أن إسرائيل ستكون هدفاً لها، إذا تعرّضت لهجوم أميركي. سياسياً، حققت إيران نجاحاً في استضافتها مؤتمر حركة عدم الانحياز، إذ أفاقت على وجود قادة 120 دولة في عاصمتها التي ما زالت شعاراتها تتحدث عن الثورة وقيم الإمام الخميني ومعاداة الولاياتالمتحدة، وعن عالم بلا إسرائيل. وكان المؤتمر بمثابة طبق من ذهب قُدِّم لطهران، لتوظّفه في تسوية ملفاتها الساخنة مع المجتمع الدولي، وتحديداً مع الغرب الذي راهن على عزلها سياسياً واقتصادياً. على الصعيد الداخلي، تراجعت حدة المعارضة التي قادها المرشحان الرئاسيان الخاسران مير حسين موسوي ومهدي كروبي، ربما لتقادمها، ولقرب نهاية الولاية الثانية لنجاد. لكن الساحة الإيرانية شهدت انطلاقاً مبكراً لانتخابات الرئاسة، لم تعهده خلال الدورات السابقة، لأسباب عدة تتصل بالوضع الداخلي والتطورات الإقليمية، وحرص المهتمين بالوضع السياسي على قيادة البلاد بعد حقبة نجاد، لترميم العلاقات الخارجية لإيران، والسعي إلى إيجاد حلول لمشاكلها الاقتصادية. وعلى رغم انحسار «التيار الأخضر»، على خلفية أحداث 2009، فإن الإصلاحيين باتوا مقتنعين بأنهم لا يستطيعون خوض انتخابات الرئاسة من خلال مرشحين واضحين، أولاً لأنهم لا يريدون المشاركة في الاقتراع، في ظل حظر العمل السياسي على عشرات من الناشطين الإصلاحيين، ناهيك عن حظر أحزاب إصلاحية أساسية. وثانياً أن مجلس صيانة الدستور سيرفض أي مرشح إصلاحي فاعل، وعلى ذلك تتحدث مصادر إصلاحية عن اتفاق لمساندة مرشح أصولي محافظ يكون أقرب إلى الإصلاحيين، في شكل يتيح لهم العمل بحرية على تهيئة مناخ مناسب لظهورهم مجدداً على الساحة السياسية، بما يشمل إعادة الاعتبار إلى أحزاب سياسية وشخصيات انخرطت في أحداث 2009. في المقابل، يستعد التيار الأصولي المحافظ لخوض انتخابات الرئاسة على أنقاض عهد سُجِّل باسمه بامتياز، لكنه لا يريد أن يتذكّره ويحاول نسيانه، لأنه وقع بين سندان دعم المرشد لنجاد ومعارضته لمساءلته في مجلس الشورى (البرلمان)، ومطرقة المشاكل الاقتصادية والإدارية التي سببتها حكومة نجاد.