شاركت فنزويلا إلى جانب 18 دولة في المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي بفيلم «كاسر الصمت»، وهو العمل الروائي الأول للأخوين لويس إليخاندرو وأندريه إدواردو رودريجيز، ذلك بعد مشوار من العطاء في رعاية اللقطاء والتنمية الاجتماعية للمجتمعات المهمشة ما أثمر 40 فيلماً تسجيلياً. يستقي فيلم «كاسر الصمت» أحداثه من أكثر البيئات تخلفاً من كل من النواحي الاجتماعية والاقتصادية وما يتولد عنهما من تصدع أخلاقي. ينتمي صانعا الفيلم لأسرة من قاع المجتمع، لذا يصوران بصدق تدني أحوالها والعلاقات المشوهة بين أفرادها. ويلقي الفيلم ضوءاً كاشفاً على معاناة الأبناء ويتبنى قضيتهم من دون مغالاة، ويثير التعاطف معهم من دون افتعال ويناصر حقوقهم من أجل حياة كريمة. على الشاشة باب خشبي متصدع يحجز مخدع الأم وصديقها عن مدخل معتم وخانق يستخدم لجميع أغراض الحياة من الطهي إلى الاستحمام بطريقة بدائية وتناول الطعام ويستخدم أيضاً «غرفة» معيشة للأبناء (صبيتان وولد صغير). في ذلك الحيز تعيش الأسرة المكونة من الأم وصديقها المتعطل عن العمل فلا يفعل في حياته سوى إشباع رغبات الأم. «أنا» الضحية «أنا» الابنة الكبرى صبية ماهرة وقانعة في صمت. فهي تعاني من إعاقة في النطق والسمع. تقوم «أنا» منذ طفولتها برعاية أخيها وأختها لتكون مشاهد لعب ومرح الإخوة وأيضاً مشاكساتهم من أطرف مشاهد الفيلم وأكثرها إنسانية. تتحمل «أنا» أعباء الأسرة من إعداد الطعام وكي الملابس إضافة إلى عملها على رغم حداثة سنها، كعاملة مع أمها في مصنع لصناعة الملابس الجاهزة لتخالط مجتمعاً من النساء العاملات غير متجانس معها. تعامل الأم أبناءها بجفاء ويكون نصيب «أنا» من سوء المعاملة هو الأوفر وبينما تنشغل الأم عن دورها الطبيعي بالتزين لتروق في عين صديقها. في مستهل الفيلم تتعرض «أنا» لانتهاك جسدي من قبل صديق الأم وعلى مدار الأحداث يصورها المخرجان من نافذة ذات قضبان حديدية أو شبكة معدنية، وغالباً ما تكون محجوبة خلف الظلال أو ذائبة في العتمة. تحاول الابنة أن تخبر أمها بما يحدث لها، إلا أن الأخيرة تبدو على الدوام منصرفة عنها غير مبالية بها. وإذ يطلع الابن إمانويل على انتهاك الرجل جسد شقيقته يصاب باضطراب نفسي يأخذ مظهر العنف وعدم التركيز إضافة للتبول اللاإرادي، وهو الحال الذي يدفع إدارة المدرسة لاستدعاء الأم وإطلاعها على حال ابنها ومطالبتها بالاهتمام به من دون جدوى. تغمر «أنا» أخيها بحنانها وتتطلع إلى أن تنفتح أمامها آفاق جديدة على شاطئ البحر. الفيلم ثري بتفاصيل الحياة اليومية للأبناء بحلوها ومرها في بناء محكم من دون ترهل وأسلوب راقٍ من دون إثارة أو إسفاف. إلى الفضاء الرحب مع نمو الأحداث يتحول الرجل الذئب إلى التحرش بصوفيا الابنة الصغرى حتى ينال منها، فما يكون من «أنا» إلا أن تهدده بسكين لينصرف عنهما وفي الختام تصفو العلاقة بين الشقيقتين وتتخذ أنا قراراً بالفرار مع إخوتها من واقعهما المرير. وفي لقطة ذات معنى تتعاون الشقيقتان على حمل حقيبة احتياجاتهما المتواضعة، وينتهي الفيلم بنهاية مفعمة بالأمل بينما ينطلق بهما الأتوبيس بعيداً وينكسر الصمت وتعبّر أنا عن فرحتها بلغة الأصابع وتهطل الأمطار بغزارة لتختلط بدموع الأم بينما يلهو الإخوة على شاطئ البحر. فيلم «كاسر الصمت» نوع من سينما الحقيقة تتتابع خلاله الأحداث في يسر وسلاسة من دون دعائم درامية ومن دون أي تركيز على دعائم ميلودرامية كالمفارقة والتشويق أو المفاجأة... وعلى هذا السياق تبدو صياغة الفيلم على التضاد التام مع صياغة الأفلام التجارية. ولقد عُني المخرجان بتصوير تفاصيل الحياة اليومية بأسلوب سينمائي راق خال من الإثارة مع التركيز على «أنا»، الشخصية الأساسية التي استحقت الممثلة عنها جائزة أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة. وعلى رغم بؤس المكان وتدني الأحوال فإن الفيلم عُني بجماليات الصورة وأثرى السرد بلقطات رمزية مودية. وفي ظلّ هذا كله عرف الفيلم بكل قوة كيف يطرح المشاكل التي يتناولها بصدق، وخلص إلى مناصرة حقوق الأطفال في حياة كريمة. في نهاية المهرجان القاهري حصد الفيلم الفنزويلي «كاسر الصمت» جائزة أفضل عمل أول، وجائزة أحسن إخراج وجائزة الهرم الفضي غير جائزة أفضل ممثلة إضافة لجائزة «الفيبريسي» (الاتحاد الدولي لصحافيي ونقاد السينما).