قبل أيام اختتمت الدورة التاسعة عشرة لمهرجان القاهرة الدولي لأفلام الأطفال، وفعالياتها بمشاركة 53 دولة بينها 7 دول عربية هي قطر (6 أفلام) تونس (فيلمان) وفيلم واحد لكل من اليمن، عمان، فلسطين، الكويت والمغرب والسعودية فضلاً عن الدولة المضيفة مصر. وقد عرض المهرجان 17 فيلماً في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة بينها ثلاثة أفلام من الدول العربية هي فيلم «زهرة» ليوسف البلوشي، من عمان «وصلتني الرسالة» لعز العرب العلوي من المغرب و «ضربة جزاء» للتونسي نوري أبو زيد وقد فاز الفيلم الأخير بذهبية وزارة الثقافة المصرية للأفلام الروائية إضافة إلى جائزة مالية. وأوصت لجنة التحكيم في تقرير إعلان النتائج أن تكون الجائزة المالية لمخرج الفيلم. وعرض المهرجان 13 فيلماً وبرنامجاً في مسابقة أفلام الرسوم المتحركة والبرامج التلفزيونية بينها أربعة أفلام مصرية ومنها الرسوم «زليزلة» عن قصة شعبية وقد فاز بجائزة لجنة تحكيم الأطفال الدولية لأفلام الرسوم. ويعد أهم ملمح من ملامح المهرجان في دورته الحالية مشاركة ثلاثة من كبار المخرجين في الوطن العربي بأفلام من إبداعهم للأطفال، تلك الأفلام التي عبرت عن رؤية شاملة لمخرجيها بلغة سينمائية راقية إضافة لمواضيعها الإنسانية المستقاة من حياة الأطفال في صياغة مع الظروف السياسية والأحوال الاجتماعية وقضايا البيئة. في فيلم «ضربة جزاء» يفتح بو زيد مخزون الذكريات ليلتقط لحظة درامية مؤثرة تخلّف لبطل فيلم الطفل حرجاً كبيراً يجعل من الصعب على بو زيد أن يعيش من دون أن يضع هدفاً تربوياً نصب عينيه فحواه أن يزيح عن البطل الصغير وجمهور الأطفال همومهم الصغيرة ويغسل نفوسهم من توابع أخطاء عابرة تعكر صفو طفولتهم البريئة. في «ضربة جزاء» يقدم المخرج، الذي ارتبط اسمه بأفلام قيّمة في سجل السينما العربية منها تحفته «بنت فاميليا» وغيره، طارق (11 سنة) والذي يعيش في مدينة صفاقس مسقط رأس مخرج الفيلم. وطارق مثل أقرانه مغرم لحد الهوس برياضة كرة القدم. نراه في حال شغف لمشاهدة مباراة مهمة للمنتخب الوطني، غير أن والده المتشدد يحرمه من دون داع يذكر من الخروج، فيلجأ حزيناً مكلوماً إلى فراشه ليكتشف في الصباح أنه بلل ملابسه. ومن حسن الحظ يلقاه أحد معارف الأسرة الذي يتعامل ببساطة مع الموقف ويمكّن الصبي من تجاوز أزمته ويحيلها إلى موقف مرح فيصحبه عبر شوارع المدينة إلى شاطئ البحر يغسلان حشية الفراش ويحمل موج البحر همومه الصغيرة. وفي الفيلم الروائي القصير «محارم، محارم» تتضح الرؤية الشاملة للمخرج المعروف محمد ملص صاحب «أحلام المدينة» وأفلام أخرى فازت بجوائز دولية، خلال الأحداث يعيش الصبي سليمان كخيط في نسيج من الشأن الداخلي والسياسة الدولية، فضلاً عن حال أسرته المالية. يقدم الخرج قصة واقعية عن «سليمان» الذي يعيش مع أسرته الفقيرة المكونة من أخوين وأمه الحنون ووالده الذي يمتهن مهنة شاقة لكنها لا تدر دخلاً مرضياً، ذلك ناحية عش الورود على سفح جبل قاسيون. يقرر الصغار إدارة بزنس صغير لتحقيق حلم والدهم في امتلاك شاحنة يعمل عليها ويسدد أقساطها من عرق جبينه، فيبيعون المناديل الورقية «المحارم» عند إشارات المرور عقب انتهاء اليوم الدراسي. وفي مثل ذلك العمر تزهر عواطف الصغار فيميل سليمان إلى جارتهم النازحة العراقية «بابل» والتي تقدم له والدها المعتقل بكل فخر من خلال لوحاته. فلا يكون من الصبي إلا أن يحب الرسم والتلوين من أجل عيون «بابل». وما إن تكتشف الأم الصداقة البريئة بين الصغيرين حتى تخشى على ابنها من شبهة السياسة فتمنعه من ملاقاة صديقته وتبطل مشروعها، ليتجمد الحلم ويبادر الأب إلى العودة بأسرته إلى مسقط رأسه في الجولان ويؤجر البيت لأسرة وافدة من العراق ضمن الأفواج المتدفقة من الوافدين. وفي فيلم «مازن والنملة» للمخرج برهان علويه والذي ارتبط اسمه هو الآخر بمجموعة من الأفلام المتميزة ومنها رائعته «كفر قاسم» الذي حصد جوائز دولية عدة، ينهج «علويه» في الفيلم نهجاً يمزج بين التسجيلي والروائي ليتبنى قضايا البيئة بهدف تربوي يعقد صداقة بين الصغار والكائنات الضئيلة كما النمل والنحل وغيرهم. يعيش الصغير «مازن» في إحدى القرى اللبنانية وعليه أن يقطع الطريق كل صباح إلى المدرسة بين المناظر الطبيعية في منطقته الريفية، فيستوقف الصغير عالم النمل وحركته الدائبة من أجل تخزين ما يحتاجه من الطعام ويلفت نظره على وجه الخصوص نملة تجاهد لنقل حبة قمح إلى محل إقامتها في ثغرة في إحدى الكثبان الرملية بينما يعيقها عدم استواء الأرض والأعشاب البرية يتعاطف معها الصغير ويعاونها على تحقيق هدفها وحين يصل متأخراً إلى المدرسة يعاقبه المدرس غير أنه يحكي للمديرة عن سبب تأخره فتمنحه هدية وتقدمه لزملائه كصديق للبيئة. واقع الأمر أن توجه قناة «الجزيرة للأطفال» لإسناد تحقيق أفلام للأطفال إلى مخرجين وذوي باع يحدو بنا إلى دعوة كبار مخرجينا ونظرائهم في البلاد العربية لتأسيس وإثراء سينما عربية للأطفال.