أكدت النتائج الأولية للمرحلة الأولى في الاستفتاء على مشروع الدستور المصري الانقسام الذي يعتري المشهد السياسي منذ فترة، بعدما وافق على مشروع الدستور نحو 56 في المئة من إجمالي المقترعين البالغ عددهم ما يناهز 7 ملايين شخص، فيما رفضه 44 في المئة، ما يظهر أن الرئيس محمد مرسي نجح بشق الأنفس في انتزاع فوز لمشروع الدستور الذي أعده تياره في المرحلة الأولى، لكن اختبار الصناديق أكد أيضاً أن مرسي وحلفاءه ليسوا وحدهم على الساحة السياسية، وأن ما كانوا يرددونه بأن الغالبية العظمي من المصريين، تقف وراءهم لا يعتمد على معلومات دقيقة. النتائج الأولية كشفت أيضاً فرزاً مناطقياً، إذ أفادت المؤشرات بأن المناطق الحضرية اقترعت غالبيتها ب «لا» على عكس ما حصل في المناطق الريفية والفقيرة، كما أفادت المؤشرات بأن المناطق التي تسكنها غالبية قبطية لا سيما في القاهرة، رفضت مشروع الدستور، وإن لم يحدث هذا بالضرورة في أسيوط التي تعتبر ثاني أكبر تجمع للأقباط في مصر. ولعل مرسي سيظل يحفظ جميلاً لأبناء محافظات الصعيد الثلاث الذين اقترعوا في المرحلة الأولى أسيوط وسوهاج وأسوان، إضافة إلى مسقط رأسه في محافظة الشرقية، الذين كان لهم الفضل الأول في حسم المعركة لمصلحة الموافقة على الدستور، فيما سيكون عليه احتواء غضب أهل العاصمة التي اقترعت غالبيتها برفض دستور «الإخوان»، وهي نفسها التي كانت صوتت لمصلحة منافسه في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية أحمد شفيق، إضافة إلى محافظة الغربية، لا سيما مدينة المحلة الكبرى معقل العمال، والتي اندلعت فيها قبل أيام اشتباكات دامية بين مؤيدي مرسي ومعارضيه. في المقابل، بدا أن جماعة «الإخوان المسلمين» تمكنت من استعادة بعض معاقلها الرئيسة بعدما صوتت محافظتا الشرقية والدقهلية لمصلحة الدستور وهما اللتان صوتتا ضد مرسي في الانتخابات الرئاسية، كما ظهر أن الإسلاميين لا سيما التيار السلفي، تمكنوا أيضاً من استعادة محافظة الإسكندرية التي فقدوها لمصلحة المرشح الناصري حمدين صباحي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية قبل أن ترجح كفة مرسي في جولة الإعادة. وكرر مرسي نجاحاته في محافظتي شمال سيناء وجنوب سيناء على رغم الاضطرابات الأمنية الشديدة التي تعانيان منها منذ تسلمه السلطة. لكن المؤشرات تؤكد أيضاً أن قوى المعارضة الرئيسة حققت نجاحاً كبيراً لى رغم قصر مدة تحالفها في «جبهة الانقاذ الوطني»، وهو ما يدعوها إلى استمرار تحالفها في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستجرى بعد ثلاثة أشهر في حال أُقر الدستور، فإذا ما قورنت نسب الإقبال على الاقتراع بين الاستفتاء والانتخابات الرئاسية الأخيرة، نجد أن قطاعات واسعة أحجمت عن الذهاب، إذ صوت في الاستفتاء أقل من ثلث من لهم الحق في التصويت في المحافظات المعنية والبالغ عددهم 26 مليوناً، فيما كان نصف الهيئة الناخبة صوّت في الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعني أن قطاعات رافضة للدستور آثرت الغياب، لا سيما أن أنصار مرسي وحلفاءه الإسلاميين احتشدوا عن بكرة أبيهم أمام الصناديق. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الغالبية العظمى من الاستفتاءات التي أجريت في العالم وليس في مصر فقط انتهت بغالبية كبيرة لمصلحة «نعم»، يؤكد هذا أن الإسلاميين خسروا قسماً كبيراً من مؤيديهم خلال الفترة الماضية لمصلحة قوى المعارضة، خصوصاً أن آخر استفتاء جرى في مصر على تعديلات دستورية في آذار (مارس) العام الماضي كانت نسبة الموافقة فيه 77 في المئة. وبعيداً من دلالات المكاسب والخسارة، فإن المؤشرات والإحجام عن التصويت ينقلان رسالة إلى مرسي وجماعته مفادها أن غالبية الشعب غير راضية عن مشروع الدستور الجديد الذي مرر في المرحلة الأولى بفارق ضئيل جداً، ناهيك عن أن عدد من صوتوا ب «نعم» أقل من سبعة ملايين.