في وقت يمضي «قطار الاستفتاء» على الدستور في طريقه، يبدو أن الرئيس محمد مرسي واثق بأن المصريين لن يخذلوه وسيصوتون ب «نعم»، إذ بدأ منذ الآن الترتيب لخطوات ما بعد إقرار الدستور. فقد قام الرئيس المصري بجهود حثيثة لتهدئة الجبهة الداخلية التي اشتعلت خلال الأسابيع الأخيرة، عبر مسارين: الأول الدخول في حوار لإجراء تعديلات (ترضي معارضيه) على مشروع الدستور، والثاني مغازلة قوى المعارضة بمنحها نسبة من المشاركة في مجلس الشورى (الغرفة الثانيةظ في البرلمان) الذي سيتسلم السلطة التشريعية في البلاد من مرسي فور إقرار الدستور وإلى حين انتخاب برلمان جديد. وكشفت مصادر مطلعة ل «الحياة» أن قائمة يتم الإعداد لها حالياً تتضمن أسماء شخصيات سيصدر الرئيس قراراً بتعيينها في مجلس الشورى، إذ إن من حق الرئيس تعيين 90 عضواً في هذا المجلس ليضافوا إلى 180 آخرين تم انتخابهم مطلع العام الحالي، وأوضحت المصادر أن التعيينات ستتم وفق «معايير نسعى إلى التوافق عليها مع القوى السياسية»، مشيرة إلى أن لائحة التعيينات ستضم «قانونيين، وعدداً لا بأس به من الأقباط والشباب، إضافة إلى تمثيل للأحزاب السياسية». وعلى رغم أن المصادر أكدت أن لائحة التعيينات «لن تضم أعضاء في جماعة «الإخوان المسلمين» أو التيار السلفي»، غير أن المؤكد أيضاً أن الإسلاميين سيكون لهم الغلبة في تمرير مشاريع القوانين خلال ثلاثة أشهر، هي مدة قصوى لإجراء انتخابات برلمانية جديدة وفق مشروع الدستور الجديد، قبل أن يتم حل الشورى وإجراء انتخابات جديدة خلال سنة. ذلك أن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية ل «الإخوان المسلمين» يمتلك 106 مقاعد، بينما يحتل حزب «النور» السلفي المركز الثاني ب46 مقعداً، وبالتالي ف «الإخوان» والسلفيون يمتلكون العدد الكافي لتحقيق الغالبية في مجلس الشورى مهما كانت الحصة التي ستذهب إلى المعارضة. واعلن الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر أمس ان معهده لن يشرف على الاستفتاء في مصر نظراً إلى الفترة الزمنية القصيرة التي تم بها الاعداد لعملية التصويت. وعقد نائب الرئيس المصري المستشار محمود مكي أمس جلسة نقاش مع ممثلي الكنائس المصرية الثلاث، إضافة إلى نقاشات أخرى جرت مع قوى سياسية لم تسمها مؤسسة الرئاسة، ضمن ما سُمّي «الحوار الوطني». وأفاد بيان رئاسي أمس بأن اللقاءات ناقشت «المواد المقترحة للتعديل في الدستور في حال إقراره، والترشيحات لمقاعد الأعضاء المعينين في مجلس الشورى». وأكد البيان الرئاسي أن «رئاسة الجمهورية حرصت على التواصل مع القوى السياسية غير المشاركة لاستطلاع آرائها ومقترحاتها في الموضوعات المطروحة في الحوار، وسيظل الحوار الوطني منفتحاً على هذه الجهات السياسية لتلقي مقترحاتها سواء في ما يخص مشروع الدستور أو ترشيحات مجلس الشورى، حيث إن الهدف هو الخروج بإجراءات وقرارات تحظى بأكبر مقدار ممكن من التوافق». في غضون ذلك، واصل المصريون المغتربون الاقتراع على مشروع الدستور الجديد، والذي يستمر حتى السبت بالتزامن مع انطلاق المرحلة الأولى لتصويت المصريين في الداخل. وأوضح الناطق باسم وزارة الخارجية أن العمل منتظم في كل اللجان الفرعية في 128 سفارة و11 قنصلية، فضلاً عن 25 دولة أُتِيحَ للمصريين المقيمين فيها إرسال بطاقات اقتراعهم بالبريد في بعثات التمثيل. وأشار البيان إلى أن عدد المقترعين تجاوز 20 ألف مقترع واحتلت سفارة مصر في الكويت رأس القائمة بإجمالي عدد مقترعين بلغ 5832 مقترعاً وتلتها السفارة في الرياض بحوالى 3881 مقترعاً، وجدة 3335 مقترعاً، والدوحة 2500 مقترع، وأبو ظبي 1844 مقترعاً، ودبي 1390 مقترعاً. وانتقد حزب الدستور، في بيان، عدم السماح للمصريين في الخارج بالتسجيل للمشاركة في الاستفتاء، وأعلن رصد مخالفات شابت اقتراع المصريين المغتربين، مشيراً إلى أن المصريين في الخارج الذين لم يقوموا بالتسجيل في انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية السابقة، لم يسمح لهم بالمشاركة في الاستفتاء، إضافة لاشتراط حصولهم على بطاقة الرقم القومي. في غضون ذلك تنطلق غداً (السبت) المرحلة الأولى لاستفتاء المصريين في الداخل والتي تضم عشر محافظات هي: القاهرة والإسكندرية والدقهلية والغربية والشرقية وأسيوط وسوهاج وأسوان وشمال سيناء وجنوب سيناء، فيما أعلن الجيش المصري أنه سيشارك في تأمين لجان الاقتراع، بمشاركة أكثر من 120 ألف ضابط وصف ضابط وجندي و6000 مركبة. وكان الرئيس مرسي التقى أمس وزير دفاعه عبدالفتاح السيسي، بعد يوم واحد من إلغاء دعوة الأخير القوى السياسية للاجتماع. وأعلن مجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة برئاسة المستشار حمدي ياسين رئيس النادي أن جميع الجهات المعنية في الدولة وفي مقدمها مؤسسة الرئاسة، استجابت للشروط الخمسة التي وضعها النادي قبل المضي قدماً في عملية الإشراف القضائي على الاستفتاء على مشروع الدستور المقترح. وكان مجلس الدولة حدد خمسة شروط يجب توافرها للإشراف على الاستفتاء وهي «وقف الاقتتال وإراقة الدماء بين المصريين، وتأمين سير عملية الاستفتاء ولجان الاقتراع، ومنع الترويج لأي موقف يتعلق بالدستور أمام اللجان، ووضع وثيقة تأمين للقضاة المشرفين، وإنهاء حصار المحكمة الدستورية». في المقابل، قالت جبهة الإنقاذ الوطني إنها تشعر بمخاوف عميقة إزاء ما سمته «غياب الشروط اللازمة لضمان نزاهة عملية الاستفتاء». وأشارت الجبهة التي تضم غالبية قوى المعارضة، إلى أن إجراء الاستفتاء على مرحلتين يمتد بينهما أسبوع كامل «مخالف للقانون المصري الذي يوجب، عند إجراء الاستفتاء على أكثر من مرحلة، أن يتم ذلك في يومين متتاليين، إضافة إلى أنه يفتح الباب أمام التأثير في إرادة الناخبين وممارسة العنف وعمليات التزوير». وأوضحت أن المؤشرات تفيد بأن الإشراف القضائي على الاستفتاء لن يكون كاملاً في ضوء انقسام موقف القضاة ورفض قطاع كبير منهم المشاركة على عملية الإشراف، ما قد لا يضمن توافر قاض في كل لجنة انتخابية وهو ما اعتبرته الجبهة «خللاً كبيراً بشروط النزاهة». وأبدت الجبهة ثقتها بأن ملايين المصريين المحتشدين في الشوارع منذ أسابيع «سيستجيبون لدعوتنا لهم بالتصويت ب (لا)، مع التشديد على أننا سنقوم بمراقبة عملية التصويت برمتها، وتسجيل كل مخالفة من شأنها التأثير في النتيجة». في غضون ذلك نشرت دار الإفتاء المصرية أمس فتوى تقضي بأن شراء الأصوات في الاستفتاءات والانتخابات حرام شرعاً.