يرى المخرجُ العراقيّ خالد زهراو أنَّ بغداد مدينةٌ سينمائيّة، بمعنى أن فيها مادة غزيرة لصناعة الأفلام الوثائقيّة. كما أن الأحداث والقصص المثيرة التي مرّت عليها تستحق أن تكون وجهةً جديرةً باهتمام صنّاع الأفلام في العالم. وانطلاقاً من هنا، تحدث زهراو الى «الحياة» عن واقع السينما في العراق وعن فيلمه الأخير عن بغداد، وهو يحاول اليوم نفي القناعة السائدة بأن العاصمة العراقيّة لا تصلح للتصوير، والسبب في رأيه الصورة النمطية التي شكلتها «الميديا» المحلية والعربية عن مدينةٍ تعيش وسط القتل والرعب طيلة السنوات العشر الماضية. يقول زهراو: «نعم... الوضع ليس مناسباً لصانع الفيلم، لكن المتعة تكمن في العمل تحت وطأة هذه الظروف (...) أستطيع أن أجزم بأن تذليل عقبات التصوير ليس أمراً مستحيلاً». وربما دفعت تلك الصورة النمطية عن المدينة زهراو إلى تنفيذ سلسلة من الأفلام الوثائقيّة الطويلة عن بغداد تحت عنوان «المدينة والناس»، يحاول فيها -كما أخبر «الحياة»- أن «يُقدِّم صورة تستحقها المدينة وسكانها». وهكذا... على مدى عام، استغرق المخرج العراقي العمل على كتابة وإخراج سلسلة أفلام وثائقية، تتضمن أربعة عشر فيلماً كجزء أولي من العمل. ورافق زهروا في رحلته الطويلة مع بغداد فريقٌ من السينمائيين الشباب، تنقلوا في أزقة العاصمة وأحيائها، في محاولة لتدوين الذاكرة الشعبية. ويسرد زهراو ل «الحياة» رحلته في «المدينة والناس»، حيث كان التدوين البصري يلاحق قصص الناس اليوميّة، ويهتم «بتفاصيلها التي تصوّر حقيقة المدينة». يقول زهراو إن «هذه السلسلة من الأفلام تنقلت بين البيوت القديمة والمحلات الشعبية ودور السينما، التي لم يبق منها غير الواجهات المتهالكة (...)، والكاميرا سجلت أيضاً الحياةَ في المقاهي، التي صنعت جزءاً من تاريخ المدينة». «أعدت إنتاج مدينة بغداد بواسطة السرد الشعبيّ، لم أستعمل أي تعليق أو صوتَ معلِّق على الأفلام (...)، وفي واحد من الأفلام على سبيل المثال، وكان عن نشوء مدينة الثورة (شرق بغداد)، كانت الكاميرا تواجه شاعراً وروائياً وسينمائياً ورياضياً وبائعَ سمك وخياطاً يحكون مدينتهم، الثورة». ويكتشف زهراو من أبطاله «أنهم يقصون المدينة، التي يتمنون أن تكون لهم». زهروا بدا متحمساً كثيراً وهو يقف مع زملائه على الكاميرات، التي تلف الأمكنة وهامش الحياة الذي يبدو أكثر حيوية من المتن الظاهر في «الميديا». زهراو هنا يبرر حماسه: «كنت أقرأ تاريخ المدينة في الكتب، وهو التاريخ الرسمي الذي دونته المراجع الأكاديمية والبحوث والحفريات التقليدية، سوى أنني أستمع إلى تأريخ آخر لنشوء المكان من قصص الناس، وهو المرتبط برغبتهم في تشكيل مدينتهم بطريقة مؤلمة (...) أستمتع حين أسجل قصصهم وأعرضها عليهم فيلماً يتعرفون فيه على حكايتهم، على مدينتهم». في النهاية يلخص المخرج فكرة فيلمه بالقول إنَّه «صنع المدينة التي يحبها». ويواجه صنّاع السينما في العراق صعوبات كبيرة على صعيد الإنتاج، لكن زهراو، الذي يسجل أفلامَ «المدينة والناس» بفريقٍ من الشباب وبثلاث كاميرات، حصلَ على فرصةِ إنتاجٍ طيبة -كما يقول- من قناة «السومريّة»، التي ستتولى عرض منجزه على شاشتها العام القادم بمعدل فيلم كل أسبوعين. يرى زهراو أن الدعم الأكثر تأثيراً من الناحية الفنية هو ما يجده من الشارع، حيث يراقب متعة الناس وهم يتحدثون عن تاريخ الأمكنة التي يعيشون فيها. يذكر أنَّ خالد زهراو صانعُ أفلام وثائقيّة عراقيّ، درسَ المسرح والسينما في بغداد وهولندا ونيويورك، ويعملُ في حقل السينما والتلفزيون مُنتجاً ومُخرجاً، وبُثت أعماله على شاشة قنوات عالميّة.