نحن ندور في فلك التخطيط الاستراتيجي من الضروري أن نتذكر أن العديد من الخطط الاستراتيجية للمؤسسات الحكومية والأهلية فقدت بريقها بعد أن فشلت في تحقيق رؤاها، وذلك يعود في كثير من الحالات إلى الفجوة التي تركت بين وثيقة الخطة الاستراتيجية التي رسمت بعناية من المخططين، وبين الاستراتيجيات المنفذة على أرض الواقع، إذ تشير التجارب الدولية إلى أن المؤسسات قد تحيد عن الاستراتيجية التي اختارتها لنفسها وتضل طريقها في ظل العمليات المعقدة والمصالح التي قد تتطلب إجراءات متداخلة بين الوحدات والبرامج داخل المؤسسة. وتلك المخاوف التي تدور حول إمكان وجود ضعف في الجانب التطبيقي في الخطة الاستراتيجية نتيجة حدوث انفصام أو تناقض بين الأهداف النظرية والأنشطة العملية للأفراد والوحدات داخل المؤسسة، قد تتزايد نسبتها كلما كبر حجم المؤسسة وتفرع الهيكل التنظيمي لها. والسؤال المهم الذي يتوجب طرحه في هذه المرحلة وعملية التخطيط الاستراتيجي في الجامعة الناشئة في مراحلها الأولى: كيف يمكن للجامعة أن تتأكد من قدرتها على تحقيق رؤيتها خلال الفترة الزمنية المحددة؟ وبعبارة أخرى: كيف نضمن أن تسير الخطة الاستراتيجية كما رتب لها؟ هذا القلق الذي قد يبديه القائمون على الجامعة من مختلف المواقع له بواعثه المنطقية، فكثير من المؤسسات التي فشلت في البقاء لم يكن السبب يعود إلى عدم وجود استراتيجية لعملها، بل إن كثيراً من مشكلات التخطيط الاستراتيجي، التي تواجه العديد من المؤسسات ترتبط بالتطبيق حيث تجد صعوبة في تحويل الاستراتيجية إلى نشاطات عملية قابلة للقياس، فمعظم النشاطات المنفذة في الأقسام والوحدات وإن كانت مفيدة، فهي لا تخدم الاستراتيجية، وفي بعض الأحيان قد تتعارض معها وربما يعود ذلك إلى أسباب كثيرة من أهمها: - عدم كفاءة نظام المراقبة والتقويم. - الفشل في التواصل مع الموظفين لتنفيذ تلك الاستراتيجيات. - التباين في مقدار ونوعية الجهود المبذولة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المرسومة. ولنجاح عملية التخطيط الاستراتيجي وتلافي تلك العقبات، ظهرت الحاجة إلى تبني أساليب وأدوات جديدة تمكن القائمين على المؤسسات من مراقبة وضبط وتقويم الخطط وإدارة العمليات، وتضمن انسجام النشاطات مع الأهداف. من هنا، انبثقت فكرة حاجتنا إلى بناء نظام إدارة تمكن للجامعة الناشئة (وغيرها) من ترجمة رؤيتها إلى واقع عملي لكل العاملين فيها من الإدارة العليا وحتى القاعدة، وهو في الوقت نفسه يقيس الأداء ويوضح مواطن القوة والضعف في العمليات الداخلية والخارجية، ويقدم اقتراحات حول النتائج من أجل تحسين الأداء بشكل مستمر، وذلك كله لن يتحقق إلا أحدث أساليب الإدارة الاستراتيجية التي تسمى ب»بطاقة الأداء المتوازن». ويمكن القول إنه إضافة إلى ما تقدم هناك ثلاثة مبررات رئيسة ضرورية لتبني أية جامعة ناشئة «استخدام بطاقة الأداء المتوازن»: أولاً: تمثل هذه المبادرة قوة المدافعة في بؤرة التحديات المفروضة على الجامعة التي تعيش صعوبة البدايات، وبخاصة إذا استندت على إرث يتسم بالضعف حيث توارد من جامعات مختلفة، وهو مثقل بالعديد من المشكلات والقضايا الحرجة كما هو الحال في غالب جامعاتنا. ثانياً: التحديات المفروضة على بعض الجامعات الناشئة والمتمثلة تحديداً بعامل الوقت، والعجز الواضح في الكوادر البشرية نوعاً وكماً، والضعف في البنية التحتية، وتوزع الجامعة على المحافظات المختلفة التي يحكمها تباعد المسافات، تلك التحديات وغيرها تزيد من ضرورة نجاح الخطة الاستراتيجية للجامعة وأهمية تمكينها من تحقيق رؤيتها وتطلعاتها، وبهذه المبادرة قد تمكن الجامعة من تجاوز كل التحديات والتغلب عليها، وذلك من خلال توجيه كل الجهود لدعم توجه الجامعة وتحقيق رؤيتها. ثالثاً: طبيعة هذه الأداة تساعد في المحافظة على التوازن عند وضع الأهداف الاستراتيجية، وتجنب إمكان الاهتمام بجوانب وإهمال بعض الجوانب الرئيسة الأخرى، التي قد تكون مؤثرة في المدى البعيد، خصوصاً في ظل تلك التحديات المذكورة آنفاً. رابعاً: يعد استخدام وتفعيل بطاقة قياس الأداء المتوازن محاولة جادة لتوجيه الأنشطة المختلفة على مستوى الإدارات المختلفة داخل الجامعة وكل الوكالات والكليات والإدارات والأقسام والوحدات بما في ذلك الأفراد ومتابعة الأداء، بناءً على الخطط المرسومة والنابعة من رؤية المؤسسة. خامساً: وتكمن أهمية هذا التوجه أيضاً من أن منطلقه ليس حاجة مرحلية يرتبط بزمن أو ظروف معينة، بل هو مشروع مستمر ومرتبط بكل الخطط الاستراتيجية التي ستعتمد عليها الجامعة في صنع مستقبلها. سادساً: كما تتجلى أهمية هذا المشروع من كونه يعتمد على جعل الاستراتيجية المحرك الوحيد لجميع منسوبي الجامعة عن طريق ربط الأهداف الشخصية بالاستراتيجية، وترسيخ مفهوم جعل الموظفين من قمة الهرم إلى أسفله يعملون بشكل متوافق تجاه تحقيق رؤية المؤسسة. الاستراتيجيات العظمى لن تفيد في ظل عدم تطبيقها بالشكل الصحيح. (&)