في معظم مدننا الكبيرة نجد الكثير من الأراضي غير المستخدمة لأي نشاط تجاري، سواء سكنياً أو صناعياً، وبنظرة سريعة نجد أن هذه الأراضي خالية ولسنوات طويلة داخل النطاق العمراني لمدننا، وقد وصلتها الخدمات الحكومية من كل جهة، وأصحابها من التجار ولظروفهم الاقتصادية المريحة ليسوا بحاجة إلى بيعها، بل إنهم يتركونها على هذه الحال لسنوات طويلة وأسعارها بارتفاع دائم، على الجانب الآخر هناك مطالبات كثيرة بفرض رسوم عليها من الدولة، قد تكون حلاً لمشكلة ارتفاع الأراضي في أطراف المدن لدينا، وكذلك تقليل مشاريع إيصال الخدمات الحكومية لتلك المناطق البعيدة، فهل علينا أن نركن إلى حرية السوق ونترك ملاك تلك الأراضي يتركونها لعقود من دون تطوير طمعاً في زيادة أرباحهم الخيالية. هذه القضية لها علاقة مباشرة بتملك المواطنين لمنازلهم، التي تشير بعض الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة السعوديين الذين لا يملكون منازل تصل إلى نحو 60 في المئة، بسبب ارتفاع أسعار الأراضي في مدننا، ولو تم فرض رسوم على هذه الأراضي البيضاء لغيّرت في أسعارها ودفعتها إلى النزول، وليس كما يهوِّل العقاريون أنه في حال فرض رسوم عليها فإن المشتري النهائي لها سيدفع قيمة الرسوم المفروضة عليها. فرض رسوم على هذه الأراضي البيضاء سيدعم خزينة الدولة ببلايين الريالات سنوياً، وقد يُستفاد منها بمشاريع إسكانية حكومية، أو قد يُستفاد منها في إقامة بعض مقرات للأجهزة الحكومية، خصوصاً أنها تقع داخل النطاق العمراني لمدننا، فنحن نقرأ عن الصعوبات التي تواجهها وزارة الإسكان في الحصول على أراضٍ لإقامة مشاريعها السكنية الحكومية، وفي الوقت نفسه نجد هذه الأراضي البيضاء متروكة للشمس وأسعارها في ارتفاع كل يوم، حتى أنها وصلت إلى أسعار خيالية لا يستطيع المواطن ذو الدخل المتوسط أن يمتلك جزءاً منها في حال تقسيمها إلى مخططات سكنية، وإن غامر واشترى فيها فإنه يفني عمره لسداد أقساطها للبنوك التي اقترض منها لشراء تلك الأرض. هناك حديث نسمعه عن تنسيق بين وزارة الشؤون البلدية وصندوق التنمية العقاري لمشروع القرض والأرض، وهي أراضي المنح، الذي لن ينجح لدينا لأن أراضي هذه المنح تكون في الغالب بعيدة جداً من الخدمات، وتحتاج لسنوات طويلة حتى يكتمل تطويرها خدماتياً، ما يضطر المواطنون أصحابها إلى بيعها بأبخس الأثمان على بعض التجار العقاريين الذين يكررون احتكار تلك الأراضي لسنوات طويلة، قد تصل إلى عقود من الزمن، وهذا يعيد المشكلة إلى بدايتها الأولى، وهو احتكار لبعض وعدم تصحيح الخلل في نسبة امتلاك المواطنين لمنازلهم، خصوصاً مع تدني مداخلهم السنوية بسبب اقتطاع نسبة قد تصل إلى 30 في المئة من تلك المداخل، إلى قيمة الإيجارات التي يدفعونها سنوياً، مثل هذا الوضع يعتبر خللاً كبيراً في كيفية التعاطي مع هذه الأراضي البيضاء التي تحاصرنا داخل مدننا، فمنها من يزيد رصيده المالي كل يوم وساعة والغالبية تعاني في تملك قطعة أرض داخل النطاق العمراني وبسعر معقول، خصوصاً مع الزيادة الكبيرة في نسبة نمو السكان لدينا، وما تمثله نسبة الشباب من التركيبة السكانية للمملكة، التي تشير بعض الإحصاءات إلى أن نسبتهم قد تصل إلى نحو 60 في المئة من إجمالي السكان، في الوقت نفسه نجد قوائم الأثرياء، العربية والعالمية، تتزايد نسبة المواطنين فيها، وليس لهم نشاطات اقتصادية ذات قيمة، ما يدل على أن غالبيتهم هم من ملاك هذه الأراضي البيضاء، ما يعطي دلالات مهمة وخطرة في مسألة عدالة توزيع الثروة لدينا، التي يجب أن يُعاد النظر فيها، خصوصاً في هذه القضية، فهذه التجارة لا يكون لها تأثير فعلي على الاقتصاد الكلي للبلد، فهي شبه منعدمة التكاليف مقارنة بالأنشطة الاقتصادية الأخرى، وقد تكون مقبولة في بداية التنمية لدينا بسبب ضيق القنوات الاستثمارية لدينا، ولكن الحال تغير الآن. فرض رسوم على هذه الأراضي سيدفع ملاكها لبيعها، أو الاستفادة منها في منظومة التنمية العقارية لدينا، فالاحتكار لهذه المساحات الشاسعة يجب ألا يستمر، خصوصاً أن ديننا يذم الاحتكار وينهى عنه، خصوصاً إذا أضر بالمصلحة العامة، وهذه هي حالنا، ويمكن إطلاق صفة الأراضي السوداء عليها وليس البيضاء، لما لها من تأثير سيء على واقع مجتمعنا. [email protected] akalalakl@