ضاق الخناق على الرئيس المصري محمد مرسي بعد سقوط قتلى وجرحى في صدامات أهلية استمرت حتى الساعات الأولى من صباح أمس أمام قصر الاتحادية الرئاسي بين أنصاره ومعارضيه، فبعد أن تداعى فريقه الرئاسي انهارت خططه لتأمين إشراف قضائي على الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد بعد تراجع قضاة كبار عن موافقتهم على المشاركة في العملية ورفض ديبلوماسيين متابعة الاستفتاء في الخارج المقرر غداً، كما استقال مسؤولون جدد. وتأخر خطاب كان مقرراً أن يلقيه مرسي مساء. ونقلت وكالتا «فرانس برس» و «رويترز» عن مصادر رئاسية ترجيحها إرجاء الخطاب إلى اليوم، فيما كشفت وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية ان اتصالات جرت بين الرئاسة وشخصيات من «رموز العمل الوطني» لم تسمها، قبل أن يجتمع مرسي مع نائبه محمود مكي ومستشاره سليم العوا «لعرض ما انتهت إليه نتائج المشاورات التي تمت (أمس) مع مجموعة من رموز العمل الوطني وممثلي القوى الفاعلة في المجتمع». في المقابل، اعتبرت «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة في بيان أنه «أصبح من الصعب على الجبهة أن تتفاوض متجاوزة الدماء البريئة التي سقطت بسبب تخاذل الرئاسة والحكومة في اتخاذ القرارات والإجراءات الكفيلة بحقن الدماء». وانتقدت في بيان «ما لاحظته جماهيرنا من تخاذل ظاهر من أجهزة يفترض فيها حماية الأفراد والأموال وتحقيق الأمن والأمان للمواطن، وهو ما أفقد السلطة شرعيتها». وأكدت أن «عدم استجابة الرئاسة لمحاولات انقاذ البلاد والاستمرار في تجاهل مطالب الشعب واحتجاجاته أقفل الباب على أي محاولة للتحاور». وتمسكت «بمطالبها الممثلة في إلغاء الإعلان الدستوري، وإلغاء الموعد المقرر للاستفتاء على الدستور في الخامس عشر من الشهر الجاري وصولاً الى دستور يكون محلاً للتوافق الوطنى العام». ودعت المصريين إلى «الاحتشاد في مختلف ميادين مصر (اليوم) لتأكيد مطالبهم». وفي وقت فرضت قوات الحرس الجمهوري طوقاً أمنياً محكماً حول القصر بعد انتهاء الاشتباكات وفض الاعتصامات أمام القصر، استمرت المعارضة في الزحف نحوه ونظمت مسيرات حاشدة قادت إحداها سيدات يحملن كفنهن استقرت في مواجهة قوات الحرس الجمهوري التي كان قائدها اللواء محمد زكي تعهد عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين. وعقد مرسي اجتماعاً أمس ضم رئيس وزرائه هشام قنديل ووزراء الدفاع عبدالفتاح السيسي والداخلية أحمد جمال الدين والعدل أحمد مكي والإعلام صلاح عبدالمقصود والدولة للشؤون القانونية محمد محسوب، إضافة إلى مدير الاستخبارات رأفت شحاتة وقائد الحرس الجمهوري للبحث في «سبل التعامل مع الموقف». وفي موقف لافت، انحاز الأزهر جزئياً إلى مطالب المعارضة، فحض مرسي على تجميد الإعلان الدستوري الأخير ووقف العمل به والدعوة إلى حوار وطني فوراً للتوافق على نقاط الخلاف في مشروع الدستور. وفي حين سعى الحكم إلى تجاوز أزمة إقالة النائب العام عبدالمجيد محمود بإعلان عودة الأخير إلى منصب رئيس محكمة استئناف القاهرة بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، أعلن الأمين العام للجنة القضائية المكلفة بالإشراف على الاستفتاء القاضي زغلول البلشي رفضه المشاركة في استفتاء على دستور «تراق من أجله دماء المصريين»، في ضربة قاسمة لجهود مرسي لتأمين إشراف قضائي على الاستفتاء. كما أكد نادي مستشاري هيئة قضايا الدولة أن قضاته لن يشرفوا على هذه العملية، بعدما كان رئيس الهيئة وافق على الانخراط فيها. وطالب النادي الرئيس بسحب الإعلان الدستوري وإرجاء الاستفتاء على الدستور. وسار على نهج القضاة أكثر من 200 ديبلوماسي أعلنوا في بيان مشترك رفضهم «إشراف وزارة الخارجية على استفتاء المصريين في الخارج على مشروع دستور تراق بسببه دماء المصريين». ودانوا «كل يد آثمة شاركت في شكل مباشر أو غير مباشر في الأحداث الدامية التي وقعت» في محيط القصر بعد هجوم أنصار الرئيس على المعتصمين. لكن وزارة الخارجية ردت بتأكيد التزامها إجراء الاستفتاء في موعده المقرر في السفارات والقنصليات. وأعلن مستشار الرئيس نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان»، رفيق حبيب استقالته، بعدما دافع باستماتة عن قرارات مرسي. كما استقال رئيس التلفزيون الرسمي عصام الأمير ورئيس قطاع القنوات المتخصصة علي عبدالرحمن احتجاجاً على توجيه وزير الإعلام القيادي في «الإخوان» صلاح عبدالمقصود التغطية الإعلامية للأزمة. وكان محيط قصر الاتحادية شهد ليلة دامية قبل أن تحكم قوات الحرس الجمهوري مدعمة بآليات ومدرعات قبضتها عليه وفضت الاشتباكات التي دارت بين أنصار الرئيس ومعارضيه على مدار أكثر من 12 ساعة سقط فيها عدد غير محدد من القتلى ومئات الجرحى. ودعت قيادة الحرس الجمهوري إلى إخلاء محيط القصر الاتحادية، وبعد أن خفت حدة الاشتباكات بين الفرقاء أنزلت شاحنات كبيرة آليات مدرعة ودبابات انتشرت في المنطقة وأغلقت شارعي الميرغني والأهرام بالأسلاك الشائكة والمتاريس الحديد لمنع وصول أي متظاهرين. لكن ذلك لم يحل دون توجه مسيرات عدة إلى محيط القصر أمس من اتجاهات مختلفة تجمعت في أماكن خارج الحواجز التي نصبها الحرس. ووقف المتظاهرون في مواجهة دبابات الحرس الجمهوري وظلوا يهتفون بسقوط الرئيس. وتعتزم قوى المعارضة تنظيم مليونية اليوم في ميدان التحرير أطلقوا عليها اسم «الكارت الأحمر» تتخللها مسيرات إلى القصر. واعتبر رئيس «جبهة الإنقاذ الوطني» محمد البرادعي أنه «بعد العنف المفرط ضد التظاهر السلمي وقتل المتظاهرين تحت سمع وبصر الدولة مات الإعلان الدستوري والاستفتاء إكلينيكياً وفقد النظام كل شرعية»، فيما اعتبر الناطق باسم جماعة «الإخوان» محمود غزلان أن «الخلاف الحقيقي ليس حول مواد الدستور ولكن حول كرسي الرئاسة». وقال ل «الحياة» ان «هذه هي الحقيقة. يتقاتلون من أجل الكرسي، والمعارضة كانت تنوي اقتحام القصر وربما حرقه». وتجمهر غاضبون أمام مقر جماعة «الإخوان» في المقطم وأمام مقر تابع لحزب «الحرية والعدالة» في القاهرة. كما اندلعت اشتباكات عنيفة في المحافظات بين أنصار الرئيس ومعارضيه، خصوصا في محيط منزله في محافظة الشرقية بعد أن حاصره معارضوه واشتبكوا مع المؤيدين له، ما استدعى تدخل الشرطة لفض الاشتباك. واضطرت قوات الأمن إلى إجلاء أسرة الرئيس خشية اقتحام منزله بعد تزايد الحشود حوله. وأحرق غاضبون مقرات جماعة «الإخوان» في محافظات الإسماعيلية والسويس والمنوفية، ووقعت اشتباكات عنيفة بين المؤيدين والمعارضين في هذه المحافظات سقط فيها عشرات المصابين.