صب معارضو الرئيس المصري محمد مرسي غضبهم عليه وحملوه مسؤولية أحداث العنف التي شهدها محيط قصر الاتحادية الرئاسي بعد هجوم أنصاره على معارضين معتصمين. وألقى مرسي مساء أمس خطاباً بعدما زادت الضغوط عليه، إذ انضم الأزهر إلى المطالبين بإلغاء الإعلان الدستوري ورفض قضاة وديبلوماسيون الإشراف على استفتاء «تراق من أجله الدماء»، واستقال رئيس التلفزيون ونائب رئيس الحزب الحاكم مستشار الرئيس رفيق حبيب للسبب ذاته. وقبل الخطاب الذي خرج متأخراً، وصف رئيس ديوان الرئاسة محمد رفاعة الطهطاوي كلمة مرسي بأنها «مؤثرة... وتتضمن أخباراً مهمة للشعب المصري». وعقد مرسي صباح أمس اجتماعاً ضم رئيس وزرائه هشام قنديل ووزراء الدفاع عبدالفتاح السيسي والداخلية أحمد جمال الدين والعدل أحمد مكي والإعلام صلاح عبدالمقصود والدولة لشؤون المجالس النيابية محمد محسوب ومدير الاستخبارات رأفت شحاتة وقائد الحرس الجمهوري محمد زكي. وأشار بيان رئاسي إلى أن الاجتماع بحث في آخر تطورات المشهد السياسي والأمني، في ظل «الأحداث المؤسفة». وأفاد بأن الرئيس «بحث في سبل التعامل مع الموقف على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والقانونية، للوصول بمصر إلى حال الاستقرار والحفاظ على مكتسبات الثورة». وطالب مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وهو أعلى هيئة فيه، الرئيس ب «تجميد الإعلان الدستوري، والدعوة إلى حوار وطني فوراً». وقال المجمع في بيان إنه «يتعين معالجة الموقف بما يضمن وحدة الوطن وسلامة أبنائه، وتجميد الإعلان الدستوري الأخير ووقف العمل به، والدخول في حوار وطني يدعو إليه الرئيس فوراً، تشارك فيه كل القوى الوطنية من دون استثناء ومن دون شروط مسبقة». ودعا مفتي الجمهورية علي جمعة «جميع الرموز الوطنية والقيادات السياسية والحزبية والدينية والمجتمعية إلى تحمل مسؤولياتهم وواجباتهم الوطنية في الحفاظ على سلامة الوطن وأمنه وإيقاف ومنع جميع أشكال المواجهات والصدام التي أزهقت الأرواح»، مطالباً ب «الرجوع الفوري إلى مائدة الحوار والبعد تماماً عن استخدام الطرق غير السلمية في التعبير عن الرأي». وشدد على أن «الخيار الوحيد لأبناء مصر جميعاً هو الوحدة والتماسك والتوافق والعمل الجماعي». وكانت جهود مرسي لتمرير الدستور تلقت ضربة مؤثرة أمس بعدما أعلن الأمين العام للجنة القضائية المشرفة على الاقتراع، القاضي زغلول البلشي رفضه المشاركة في الاستفتاء المقرر أن ينطلق في الخارج غداً، عازياً قراره إلى أنه «لا يمكن المشاركة في استفتاء تراق من أجله دماء المصريين». وأكد نادي مستشاري هيئة قضايا الدولة أن قضاته لن يشرفوا على الاستفتاء، مطالباً الرئيس بسحب الإعلان الدستوري وتأجيل موعد الاستفتاء على الدستور، وتشكيل لجنة للنظر في المواد المختلف عليها من جميع أطياف المجتمع. وقال في بيان له أمس إن «هيئة قضايا الدولة باعتبارها جزءاً من الجسد القضائي، ترفض بكل إصرار ما ورد في الإعلان الدستوري وتعتبره عقبة في تحقيق طموحات وآمال الشعب المصري نحو تحقيق الديموقراطية»، كما استنكر في شدة «الحصار الذي فرض على المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من دخول المحكمة ومزاولة أعمالهم»، لافتاً إلى أن «هذا الأمر لم يحدث عبر تاريخ العمل القضائي في مصر». وسار على نهج القضاة أكثر من 200 ديبلوماسي مصري أعلنوا في بيان مشترك رفضهم «إشراف وزارة الخارجية على استفتاء المصريين في الخارج على مشروع دستور تراق بسببه دماء المصريين». ودانوا «كل يد آثمة شاركت في شكل مباشر أو غير مباشر في الأحداث الدامية التي وقعت» في محيط القصر بعد هجوم أنصار الرئيس على المعتصمين. لكن وزارة الخارجية ردت في بيان على لسان مساعد الوزير للشؤون القنصلية علي العشيري بتأكيد الالتزام بإجراء الاستفتاء في موعده المقرر. وأعلن مستشار مرسي نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» رفيق حبيب استقالته، وهو الذي كان من أكثر المدافعين عن قرارات مرسي، كما أعلن رئيس التلفزيون الرسمي عصام الأمير استقالته احتجاجاً على الطريقة التي تدار بها البلاد وعلى تدخلات وزير الإعلام القيادي في «الإخوان» صلاح عبدالمقصود لتوجيه تغطية تلفزيون الدولة. ودان رئيس «حزب مصر القوية» الإسلامي المعتدل عبدالمنعم أبو الفتوح ما حدث أمس أمام قصر الاتحادية من اشتباكات وإراقة الدماء. وأكد أن «الدولة مسؤولة عما حدث»، مطالباً بالتحقيق مع الطرف الذي هجم على الاعتصام ودخل في اشتباك مع المتظاهرين. لكن أبو الفتوح حرص على تأكيد أنه «ضد إسقاط الرئيس لأنه جاء بالغالبية، لكنه ضد استبداد الرئيس حتى ولو كان هو أبو بكر الصديق». وشدد على أنه «لن يحمي الرئيس غير الشعب المصري الذي انتخبه». واستنكر استغلال الحزب الحاكم الشريعة في الصراع السياسي قائلاً: إن «المصريين ليست عندهم مشكلة مع الشريعة الإسلامية... وأحذر من تحويل المعركة السياسية الآن إلى معركة دينية». وأضاف أن «قصر الرئاسة ملك للشعب وليس ملكاً لأحد، لا الرئيس ولا جماعة الإخوان»، مطالباً مرسي بأن يكون «رئيس كل المصريين، لأنهم هم الذين أتوا به وهو يجلس الآن على كرسي الرئاسة بفضل هؤلاء المصريين». وحذر من «فلول نظام مبارك الذين يريدون العودة الآن والركوب على الثورة في ظل اختلاف سياسي»، مشدداً على أن «الشعب لن يرضى بهذا وسيحمي ثورته». ودعا شباب الحركات الإسلامية إلى «تجنب الاشتباك وإراقة الدماء»، محذراً إياهم من «استخدامهم مصالحَ حزبية وسياسية». كما حذر من «أي محاولة للانقلاب على الشرعية من أي طرف حتى ولو كان المجلس العسكري أو غيره». وحذر من أي تدخل أجنبي. وانتقد «كل من طالب الجيش بالتدخل في السياسة لأن دوره هو حماية الحدود». وصعّدت المعارضة من لهجتها عقب اشتباكات الاتحادية. وأكد مؤسس «حزب الدستور» محمد البرادعي أنه «بعد العنف المفرط ضد التظاهر السلمي وقتل المتظاهرين تحت سمع وبصر الدولة مات الإعلان الدستوري والاستفتاء إكلينيكياً وفقد النظام كل شرعية». وذهب نقيب المحامين عضو «جبهة الإنقاذ الوطني» سامح عاشور إلى أبعد من ذلك مطالباً بمحاكمة الرئيس. وقال في كلمته أمس أمام مؤتمر للمحامين: «لا حوار قبل محاكمة الرئيس مرسي والتحقيق معه على دماء الشهداء والمصابين في الاشتباكات التي جرت أمام قصر الاتحادية... لن نتحاور على دماء الشهداء ولا بد من التحقيق أولاً ومعرفة المتسبب في الأحداث ودماء الشهداء التي أغرقت ميدان الاتحادية. ولا بد من أن نعلم من الذي أمر بالاعتداء على المتظاهرين وأمرهم بالقتل ومدهم بالرصاص وتقاعس عن حمايتهم». في المقابل، أصدرت جماعة «الإخوان المسلمين» بياناً دافعت فيه عن نفسها في شدة، ووصفت أحداث أول من أمس بأنها «محاولة لاقتحام قصر الاتحادية ومؤامرة محكمة للانقلاب على الشرعية والإرادة الشعبية والإجهاز على الثورة وأهدافها». وقالت إن «الإخوان يحتسبون خمسة من خيرة شبابهم شهداء، اغتالتهم يد الغدر والبلطجة والإرهاب في مؤامرة محكمة للانقلاب على الشرعية والإرادة الشعبية وللإجهاز على الثورة وأهدافها»، معتبرة أن القصر «رمز الدولة وهيبتها وهو مقر الرئيس المنتخب شعبياً». وأردفت أنه «تم إجهاض محاولة الانقلاب بفضل الله وبتضحيات إخواننا الذين قدموا أرواحهم ودماءهم لحماية الشرعية والثورة والإرادة الشعبية، على رغم ضخامة هذه التضحيات». ورأت أن ما حدث «امتداد للتضحيات التي قدمها شعب مصر وفي القلب منه «الإخوان» منذ بدء الثورة وستستمر التضحيات حتى تحقق الثورة أهدافها». وحملت مسؤولية الأزمة ل «من يستخدمون المال الحرام الذي نهبوه من شعب مصر والذي يتلقونه من وراء الحدود وبتوجيه من الفاسدين الهاربين من العدالة في الخارج، إضافة إلى مجموعة من السياسيين الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على المصالح الوطنية العليا». ورأت أنه «ليس سياسياً من يستخدم العنف أو يحرض عليه، وليس ثائراً من يحمل السلاح ضد مواطنيه». وأوضحت أن «هناك حاجة إلى أقصى درجات اليقظة والحذر، حتى يتم إجهاض المؤامرات كاملة وتقديم أطرافها إلى العدالة لكي يلقوا جزاءهم العادل، والذين يقفون وراء هذه المحاولات لن ييأسوا».