بعد أكثر من 30 سنة في عالم فن الأحرف وتخطيطها، قرر الفنان التشكيلي الكردي والخطاط محمد حسين استخدام البرامج الإلكترونية الحديثة للمحافظة على مصدر رزقه الوحيد، في زمن بات فيه الفنان حائراً بين السعي لتطوير مهاراته والبحث عن وسيلة للعيش. صقل حسين ابن ال 53 سنة موهبته بالفن التشكيلي والتخطيط على مقاعد الدراسة وهو طفل صغير. ودفعه شغفه بهذه الهواية الى افتتاح مكتب خاص لتعليم أصول فن الخط وممارسته في العام 1997، حيث يجمع بين العمل الذي يكفل له ولأسرته العيش الكريم والاستمتاع بمواصلة فنّه. فخرّج من تحت يديه «عشرات من الشبان الذين يمتلكون الآن مكاتب خاصة بهم، وحصل أحدهم على جائزة أفضل خطاط في إحدى المسابقات في تركيا». وعلى رغم هذا النجاح في السنوات السابقة، يرى حسين أن «العامل الاقتصادي يضع فنان الخط في دوامة أزلية، إذ يصعب عليه الاختيار بين مسارين مهمّين قد يتضاربان في معظم الأحيان، هما ممارسة هوايته أو البحث عن وسيلة للعيش». لكن هذا الخطاط العريق يشكو عدم رضاه عن مسار المهنة بشكل عام وعن علاقته بشغفه الأبدي الذي بدأ يتحوّل كوظيفة روتينية وتقنية بامتياز مع حلول برامج الكومبيوتر بدلاً من الابتكار والإبداع اليدوي. «اللحاق بالتكنولوجيا الحديثة ليس عيباً أو مذمّة، على رغم أنني أفضل التخطيط باليد، لكن أن يصبح فن الخط مهنة من لا مهنة له، فهنا تكمن المشلكة»، يقول حسين، الذي اضطر لأن يرضخ للأمر الواقع ويتّبع أسلوب برامج الطباعة الإلكترونية «لضرورات معيشية». وأكثر ما يغيظه في الموضوع، «تحوّل أحد الحدادين في المنطقة التي يسكن فيها الى مهنة التخطيط بواسطة هذه البرامج الإلكترونية التي تتولى المهمة كلّها حتى ولو كان الشخص أميّاً ولا يفقه فن الحروف». لكن حسين يرفض الاستسلام لأشباه الخطاطين، مؤكداً أنه وزملاء له يصرون على ممارسة هوايتهم من خلال مجلس الخطاطين في الإقليم، وينظمون معارض فنية على الصعيدين المحلي والخارجي. ويشعر حسين أنه «غارق في بحر لا نهاية له، وأمامه طريق طويل»، على رغم نتاجاته الفنية التي تركزت في قسم كبير منها على تجسيد واقع حياة الشعب الكردي في مختلف مراحله، بدءاً من تراثه وثقافته وصولاً إلى كل ما تعرض له من تدمير وقصف وحرق على أيدي الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد. أما القسم الآخر من نتاجاته، فحمل طابعاً مبتكراً «أثار حيرة كثير من الفنانين»، وفق الفنان الكردي، الذي لم يستخدم الفرشاة فيه. والناظر للوحة يخال أن إنجازها استغرق سنوات، إلا أنه لم يستغرق سوى حوالى ساعة. ويعزو حسين هذه المقدرة إلى سرّ مكنون في داخله، قائلاً: «ما ينتجه الفنان نابع عن موهبة ورغبة جامحة في داخله، لكن من الصعب أن يجد من يدفع ثمناً يوازي قيمة ذلك الإنتاج، الأمر الذي يعني أنه فقد عنصراً تشجيعياً بارزاً». وأكد أهمية عدم الثبات في مكان واحد، وضرورة تغيير المسار نحو الابتكار والتميز وعدم الخوف من الدخول في مخاض الحداثة، بهدف إثبات الذات. شرط أن يكون الخطاط صاحب موهبة وذات حرفية عالية.