تنفذ حزمة مشاريع تطويرية لخدمات بيئية بمحافظة جدة    أكثر من 4659 زيارة منزلية لمرضى الدرن خلال 2024م    مركز الملك سلمان للإغاثة يحصد 5 جوائز دولية خلال عام 2024    استشهاد فلسطينيين وسط قطاع غزة    اليوم في الرياض اجتماع وزاري بشأن سوريا    وزراء خارجية جمهورية العراق وتركيا يصلون إلى الرياض    جدل بين النساء والرجال والسبب.. نجاح الزوجة مالياً يغضب الأزواج    5 طرق لضبط مخاطر مرض السكري    40 شاعراً وأديباً من 15 دولة يشاركون في «فرسان الشعري»    كلاسيكو الأرض.. ذهب يضيء في «الجوهرة»    خبير أرصاد: بدأنا موسم «الرياح الماكرة»    «سلمان للإغاثة»: تنفيذ مشروع تشغيل بنك الدم الوطني في الصومال    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    تجمعات مياه السيول في شوارع شرق مكة تنتظر التدخل    نجوم لبنان يتنفّسون الصعداء ويحتفلون بانتخاب الرئيس    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    الزعيم العالمي خماسية وصدارة.. الفيحاء يفرمل العميد.. السكري يسدد فاتورة الكأس    خادم الحرمين يتلقى رسالة من رئيس السنغال    تحية لسالم الدوسري    وفاة والدة فهده بنت فهد آل سعود    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    تبرعوا بالأقراص وشاركوها    30 يومًا لهوية مقيم للخروج النهائي    أضواء الحميدان في ذمة الله    منع مرور الشاحنات من طريق السيل الكبير    برامج لذوي الإعاقة    شرطة للنظافة في «الدار البيضاء»    حساب المواطن: 3.1 مليارات ريال لمستفيدي دفعة يناير    «جوجل» تتيح إنشاء بودكاست شخصي    يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 60 عامًا.. السيارات القديمة تثري فعاليات مهرجان «حرفة»    «مجيد».. ليلة من تفرد الغناء    ثنائية نوال ورابح صقر.. الطرب في أعماق جدة    الهوية ودورة الحياة للمكون البصري    من بلاغة سورة الكهف    «الصخر الشاهد» .. رفع الوعي بالثروات الطبيعية    اعتداء على فنان في سورية يستفز ممثلة داعمة للثورة.. لا نريد شبيحة جدداً    المرأة الثرية تؤثر على نفسية زوجها    الأدوار في الحياة    في ختام الجولة ال 16 من دوري" يلو".. الطائي يستضيف أبها.. والعين يواجه الفيصلي    «الغذاء والدواء»: احذروا «ببروني»    فصيلة دم «o» أقل عرضة لأمراض القلب    مواطن مستبصر    عودة الأمل اللبناني    متى نقترب من النسبة الصفرية للبطالة ؟    جوارديولا: ووكر طلب الرحيل عن مانشستر سيتي    هل أشرقت شمس النصر الجديد؟    ماتياس والرئيس    الذكاء البشري في مأزق    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحبة السمو الملكي الأميرة فهده بنت فهد بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    نائب أمير حائل يستقبل رئيس "مُحكم لتعليم القرآن"    خطيب المسجد الحرام: امتثلوا للأوامر واجتنبوا الكبائر    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتيات الليل في بغداد رهينات الفقر والسماسرة والميليشيات
نشر في الحياة يوم 26 - 11 - 2012

«كنتُ حاملاً في الشهر الثالث، عندما سرق زوجيَّ مصاغي، وهجرني إلى الأبد فتَركت البصرةَ وها أنا في بغداد أمنَحُ المُتعةَ لمن يدفع». هذه بداية قصة «وردة» (23 سنة) التي تنتهي، اليوم، في شقة، وسط العاصمة، تقضي الليل مع أحدهم مقابل 250 دولاراً وزجاجة مشروب.
اسمها الحقيقي ليس وردة بالطبع، وقد لا تكون من مدينة البصرة أصلاً. فهذا حال بنات الليل في بغداد، الأسماء المستعارة جزء من حزمة الاحتياطات التي يتخذنها في مجتمع يطاردهن ويتمتع بهن في آن.
ومن الصعب جداً اكتساب ثقة إحداهن، لكن غالبيتهن يشعرّن بالحماسة حين يتحدثن إلى صحافي، يشكين بلداً لم يوفر لهن فرصاً كريمة للعيش، وينظر إليهن بدونيّة.
في مركزٍ للشرطة في بغداد، زجت عشرات بنات الليل في زنزانة صغيرة بعد عمليات دهم واسعة في أرجاء المدينة. في تلك الليلة كان العشاء يصل إليهن من مطعم فاخر، وبخدمة التوصيل المجاني، بينما يطلب مجهولون من الحرس إيصال علب الدخان وبعض الحاجيات إليهن. يقول ضابط شرطة ل «الحياة» ضاحكاً: «لا يشكل لهن السجن أي فارق، هذا فندق، وهنَّ في إجازة».
بعد يومين أو ثلاثة من زيارة «الحياة» مركز الشرطة، خرجت الفتيات بكفالة مالية كبيرة. هذا الحدث لا يمثل سوى محطة موقتة في حياة الليل في بغداد، ولا يبدو كلام ضابط الشرطة دقيقاً، فقاع المدينة يسحق الفتيات من دون هوادة.
في منطقة قريبة من مركز العاصمة، في اتجاه الشرق، ترتفع عمارات سكنيّة يَشغلُ عدداً منها نساءٌ تعرف الواحدة منهن في أوساط الشباب باسمِ «الشيخة»، وهن المشرفات على توفير السكن لشابات يبعن الهوى. إلى جانب السكن هناك خدمات أخرى، من بينها مستلزمات الوقاية الصحية والحماية، في ظل أوضاع متأرجحة ومقلقة اجتماعياً وأمنياً. «الشيخة» تضمن شروط الأمن مع الشخص الذي يدفع ليصطحب الفتاة إلى مكانه الخاص. لكن هذه الطريقة تجاوزتها «الشيخات» عبر توفير أماكن المتعة في محالهن. وبينما تدفع المشرفة لأصدقائها من الشرطة، أو عناصر من الميليشيات المختلفة المسؤولة عن الأمن، تحصل الفتاة على 20 في المئة مما يدفعه الرجال.
والشيخة، في العموم، تجاوزت السن الذي يتيح لها تقديم تلك الخدمات بنفسها، وصار صعباً عليها اجتذاب الرجل، ولو نجحت فسيكون أجرها اقل بكثير مما تحصل عليه شابة في عشرينها. لذا مع الوقت، تتحول فتاة الليل إلى «شيخة» تدير أخريات. وتقتصر حياة هذه الأخيرة على التحكم بمصادر التمويل، وعقد جلسات سهر وعشاء مع ضباط أو رجال أعمال من أصحاب النشاطات المشبوهة لعقد مزيد من الصفقات.
في نادٍ ليلي يقع في قلب بغداد، حيث يستعيد الليل بعض عافيته منذ سنوات طويلة، داهمت الشرطة المكان وأغلقته بالشمع الأحمر، كجزء من حملات واسعة قادتها الحكومة ضد مخازن المشروبات الكحولية والملاهي.
وقال مصدر أمني رفيع المستوى ل «الحياة» إنه «قرار من الجهات العليا فهذه المرافق الترفيهية لا تملك رخصاً بالعمل». فيما قال بعض المسؤولين في بغداد إن «الأهالي غاضبون من انتشار هذه الأماكن»، بالتزامن مع حملات عبر «فايسبوك» تحمل اسم «لا للنوادي الليلية».
النادي هو أيضاً مطعم كان قبل إقفاله رسمياً تعرض إلى حريق أتى على واجهته الملونة، وأجزاء من مرافقه الداخلية. «الحياة» سألت عاملاً فيه عن الحادث فرفض التعليق سوى قوله انه «تماس كهربائي يوم كان النادي مشغولاً بالموسيقى الشرقية الراقصة، والحياة لا تتوقف فيه حتى الفجر». أما اليوم فالمشهد من الداخل ليس فوضوياً وحسب، بل أنه واحد من أشد علامات التناقض في بغداد، وشاهد على شعور سكانها بالتعب وثقل الحياة. فوسط تلك الفوضى، جلس رجال كثر على الطاولات المحيطة بمسرح تدور عليه فتيات بملابس رقص مثيرة، تبرز أجزاءً من أجسادهن. الجميع هنا يدفع للمتعة، وغالباً ما يقع شجار على أحداهن. هؤلاء خليط من الشباب المنهكين من تذبذب فرص العيش، وثلة من رجال الأعمال الصاعدين إلى السوق بعد الحرب، وضباط يمسكون بمصادر القوة التي يقع فيها النادي.
وتقول «وردة» إن عدداً كبيراً منهم «متدين ويشارك في فعاليات ونشاطات دينية كما يمارس الشعائر بانتظام». التصادم بين هؤلاء لا يكون سلمياً أبداً. يقول شرطي في المنطقة القريبة من النادي إنَّ «ضباطاً كانوا طرفاً فيها ولم تنته على خير، والسبب رهان على فتاة». ومن دون شك هذه الوقائع لا تدوّن رسمياً، أو اقله لا تتداول إعلامياً.
وتقول «وردة» التي اعتادت إيداع طفلها «حمادة» (4 سنوات) عند صديقة لها أثناء عملها: «أرقص على المسرح مع خمس فتيات، ويجتمع حولنا نحو خمسة عشر رجلاً ثملاً يفتحون شرائط النقود ويلقونها على أجسادنا، فيما يقوم شخص يعمل لمصلحة الشيخة بجمع الأموال. وعندما يختارنا أحد الرجال يدفع حساب طاولة للضيافة مع قنينة شراب، وننتهي في مكان ما».
لكن الأمر ليس بهذه البساطة، ف «وردة» التي نجت قبل عام من مهووس مدمن على ضرب فتياته بحزام جلدي، فقدت صديقة لها كانت قد قضت ليلتها الأخيرة في منزل عصابة مخدرات شمال شرقي بغداد. قالت إنها شوّهت بالكامل.
لكن السؤال الذي يحاول الجميع الإجابة عنه s يتعلق بالكيفية التي تجيء بها الفتيات إلى هذا العالم السري في العاصمة. الرواية التقليدية تفيد بأن الغجريات هن من يقدن حياة الليل، لكن هذه القصة قديمة حين كان أركان نظام صدام حسين يوفرون للغجر الحماية، نظراً إلى أن عدداً منهم حريصون على تمضية أوقات معهن.
«الحياة» تحدثت إلى ضابط في «الشرطة المجتمعية»، وكانت لديه رواية مختلفة: «فتيات الليل الحلقة الأخيرة في سلسلة طويلة تبدأ من رجال أعمال وسماسرة يصعب الوصول إليهم يوظفون أموالهم في تجارة الجنس. والأمر ليس جديداً على بغداد، سوى أن فتيات عراقيات عُدن من بلدان اللجوء أخيراً، جعلن النوادي والبيوت السرية تكتظ بهن». وكما يقول الضابط فإن محاولات الكشف عن السماسرة تنتهي بالفشل، لأن ثمة جماعات تملك النفوذ تضغط لإنعاش هذا السوق. بينما تقول وردة، التي أصبحت الآن مدمنةً على الكحول، حين تسألها عن تفكيك تجارة البشر في العراق: «هذا مجرد حلم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.