تحول النزاع على رئاسة حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية (المعارضة اليمينية في فرنسا) إلى حرب معلنة بين المتنافسين على هذا المنصب وهما الأمين العام للحزب جان فرانسوا كوبيه ورئيس الحكومة السابق فرانسوا فيون. وبلغ التصلب لدى كلا الطرفين حداً يهدد الحزب بالانهيار والتفكك. وإمعاناً في تعميق الصورة القاتمة للحزب الذي حكم فرنسا طيلة السنوات ال17 الماضية، مثل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أمس، أمام القضاء في إطار التحقيقات حول تمويل غير شرعي محتمل حصل عليه من وريثة مجموعة «لوريال» العملاقة ليليان بيتانكور. متهم أم شاهد؟ ويواجه ساركوزي وهو ثاني رئيس فرنسي يستجوب من قبل القضاء بعد الرئيس السابق جاك شيراك، احتمال الإحالة على التحقيق إن لم يتمكن من إقناع القاضي جان- ميشيل جنتيي بأنه لم يستفد من أي تمويل من قبل بيتانكور في إطار حملته لانتخابات الرئاسة عام 2007. ومن الممكن أيضاً أن يكتفي جانتيي باعتباره بمثابة شاهد في هذه القضية التي تسببت باستقالة الوزير السابق للمالية اريك فيرث الذي ربطته صلات وثيقة بباتريك دوميستر مدير ثروة بيتانكور، تعود إلى فترة تولي فيرث منصب أمين صندوق حزب الاتحاد الذي تزعمه ساركوزي في ذاك الحين. وتتركز شبهات القاضي على احتمال استفادة ساركوزي في إطار حملته من مبلغين سحبا نقداً من أحد حسابات بيتانكور التي تعد ثالث أثرى شخص في فرنسا وقيمة كل منهما 400 ألف يورو. وتترتب على القرار الذي سيتخذه القاضي آثار على مستقبل ساركوزي الذي انسحب من الحياة العامة بعد خسارته معركة الرئاسة في الربيع الماضي من دون أن يستبعد العودة لخوض انتخابات عام 2017 الرئاسية. لكن هذه العودة ليست فقط رهناً بما سيتخذه القاضي جانتيي من قرار، بل أيضاً بما إذا كان الحزب الذي تزعمه ساركوزي سيتمكن من تجاوز حال الاهتراء التي برزت في صفوفه منذ يوم الأحد الماضي وهو الموعد التي نظمت فيه الانتخابات الداخلية لاختيار زعيم للحزب بين كوبيه وفيون. فالنتائج التي أدت إليها هذه الانتخابات التي واكبتها اتهامات متبادلة بين المرشحين بالتزوير وإعلانات متبادلة بالفوز، إلى أن أعلنت لجنة مراقبة الانتخابات الحزبية فوز كوبيه على فيون بفارق 98 صوتاً. هذه النتيجة قلصت بالطبع شرعية تولي كوبيه لرئاسة الحزب وجعلته يبدو منقسماً بحدة على نفسه بين تيارين متضاربين سرعان ما تحولا إلى تيارين متناحرين بعد رفض فيون العرض الذي قدم إليه بتولي منصب نائب لرئيس الحزب. واتخذ النزاع منحى أكثر شراسة بعد أن أعلنت أوساط فيون عن أن لجنة مراقبة الانتخابات أغفلت في حسابها أصوات المقترعين في ثلاثة من أقاليم ما وراء البحار وأن أخذ هذه النتائج بالاعتبار يجعل رئاسة الحزب من نصيب فيون بفارق قدره 26 صوتاً عن كوبيه. وعلى هذا الأساس اقترح فيون بعد أن أعلن عدوله عن ترؤس الحزب تكليف رئيس الحكومة السابق ألان جوبيه موقتاً قيادة الحزب بانتظار إعادة فرز الأصوات مجدداً وهو ما رفضه كوبيه معتبراً أن نتيجة الانتخابات باتت معروفة وما على فيون سوى التوجه إلى لجنة الطعون الحزبية. كذلك أعلن جوبيه الذي كان رفض تحديد موقف لصالح أي من المتنافسين على زعامة الحزب بخلاف العديد من البارونات الحزبيين الذين ساندوا فيون، انه لا يقبل تولي أي مسؤولية أو القيام بأي مسعى إن لم يكن يحظى بتأييد من كلا المتنازعين. وذكرت مصادر مقربة من جوبيه أنه من الضروري أن تكون هناك لجنة مستقلة تعيد فرز الأصوات غير اللجنة الحزبية وأن المسؤولية عن التزوير تتوزع على الطرفين، ونقلت عنه تشاؤمه حيال أوضاع الحزب الذي أسسه قبل عشرة أعوام وكان أول رئيس له وهو يعتبره اليوم شبه ميت. فخطر انشقاق الحزب أصبح تهديداً واقعياً بعد هذه الفصول المتلاحقة والتي تحمل العديد من أعضائه على مغادرته للالتحاق وفقاً لميولهم إلى حزب الوسط الجديد الذي أنشأه الوزير السابق جان لوي بورلو أو إلى اليمين المتطرف.