عكست الانتخابات على زعامة حزب «الاتحاد من اجل حركة شعبية» اليميني المعارض في فرنسا، صورة بائسة عن وضعه، وأكدت وجود شرخ بين تيار ممثل برئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون وتيار الأمين العام للحزب جان فرنسوا كوبيه اللذين تنافسا في الاقتراع، وأعلنا فوزهما واتهم كل منهما الآخر بالتزوير، ما يهدد بانقسام الحزب. وسبقت الانتخابات حملة ضارية خاضها المرشحان، ترافقت مع استطلاعات أظهرت تقدّم فيون بوضوح على كوبيه، خصوصاً أن الأول حظي بتأييد بارونات من الحزب. ونجحت الحملة في إيجاد تعبئة مرتفعة لدى أعضاء الحزب الذين يُقدرون بحوالى 300 ألف، أقبلوا على الاقتراع بنسبة 50 في المئة، وهذه نسبة تفوق تلك المُسجلة عام 2004 لدى انتخاب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، رئيساً للحزب. لكن العملية الانتخابية الديموقراطية آلت إلى إبهام وفوضى وتبادل إعلانات بالفوز واتهامات بالتزوير، حالت دون تمكّن لجنة مراقبة الانتخابات من تحديد اسم الفائز، بعد إغلاق مراكز الاقتراع. ووسط ترقب ساد قواعد المعارضة اليمينية، بادر كوبيه إلى إعلان فوزه من مقر الحزب، متحدثاً عن تقدمه بفارق ألف صوت، مستبقاً الإعلان المرتقب عن لجنة مراقبة الانتخابات التي واصلت امس تدقيقها في المحاضر الانتخابية الواردة من مراكز الاقتراع. واعتبر فيون إعلان خصمه بمثابة «انقلاب» للسطو على زعامة الحزب، فأعلن بدوره أن النتائج المتوافرة لديه تفيد بتقدمه ب 224 صوتاً، مرجحاً فوزه. وأشار كوبيه إلى «عمليات تزوير ضخمة»، فيما شدد فيون على أنه «لن يترك الانتصار يفلت من المناضلين». وتوالت بعد ذلك تصريحات متضاربة أطلقها مقربون من المرشحَين، ما أوجد انطباعاً بأن الحزب الذي أسّسه الرئيس السابق جاك شيراك عام 2002، لتوحيد تنظيمات يمينية، بات عملياً منقسماً إلى حزبين. ودفع ذلك رئيس الوزراء السابق ألان جوبيه الذي رفض تأييد أيّ من المرشحَين، إلى حضهما على الكف عن «تبادل الشتائم» ووقف الاتهامات المتبادلة، واعتبر أنهما «مهووسان باستحقاق» انتخابات الرئاسة عام 2017، محذراً من أن «وجود حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية بات على المحك» ويواجه خطر «انشقاق». أما وزير الزراعة السابق برونو لومير فاعتبر المشهد «سوريالياً». لكن ذلك لم يحلْ دون تكرار كوبيه وفيون إعلان فوزهما، فيما انكبّت لجنة مراقبة الانتخابات على التدقيق في النتائج في مقر الحزب. والرهان بالغ الأهمية للمتنافسَين، إذ أن الفائز برئاسة الحزب سيحتفظ بمنصبه حتى العام 2015، ما يتيح له ترسيخ موقعه لدى اختيار مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة عام 2017. وسيترك هذا الصراع آثاراً بالغة على الحزب، قد تحدّ من قدرته على أداء دور المعارضة الذكية والفاعلة في مواجهة الحكم الاشتراكي. وأثارت أزمة الانتخابات تكهنات بعودة ساركوزي الذي اعتبرته صحيفة «ليزيكو» الاقتصادية «المنتصر الحقيقي» في الاقتراع. لكن مجلة «ليكسبرس» رأت أن الرئيس السابق لن ينجح في قيادة حزب منقسم. ويشكّل توحيد أنصار كوبيه وفيون، عملية بالغة الصعوبة، نظراً إلى التناقض الكبير بين نظرة كلّ منهما لما يجب أن يكون عليه اليمين الفرنسي الآن، إذ اختار كوبيه لحملته شعار «اليمين المتحرّر من العقد» وجعلها امتداداً لشعارات رفع لواءها ساركوزي خلال انتخابات الرئاسة التي خسرها أمام فرنسوا هولاند. وحرص كوبيه (48 سنة) على طرح نفسه بمثابة مكمّل لمسيرة ساركوزي، بعد انسحاب الأخير موقتاً من الحياة العامة، ورفع الشعارات ذاتها التي رُددت خلال حملة انتخابات الرئاسة في الربيع الماضي، مستعيراً مواقف عدة من اليمين المتطرف. في المقابل، حرص فيون (58 سنة) على تمييز نفسه عن ساركوزي، على رغم انه أمضى خمس سنوات إلى جانبه، بصفته رئيساً للوزراء، مؤكداً التزامه القيم التقليدية لليمين كما تمسك بالانفتاح على قوى الوسط وقواعده، بدل الانفتاح على اليمين المتطرف. وأبدى فلوريان فيليبوه نائب رئيس «الجبهة الوطنية» (اليمين المتطرف) ارتياحاً ل «تحطّم الاتحاد من اجل حركة شعبية»، مرجحاً انضمام أعضاء منه إلى حزبه.