تتصاعد حدة المواجهات الدائرة في سورية وتتصاعد حدة الانقسامات في لبنان. انقسامات حول الموقف مما يجري في سورية وحول موقع لبنان في التجاذبات الإقليمية وحول مصير حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي صعّدت المعارضة مطالبتها باستقالتها، خصوصاً بعد اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. واضح أن لبنان خائف على استقراره، خصوصاً أن الاشتباكات الجوالة توحي بمزيد من التراجع في العلاقات السنية-الشيعية، وهو خائف أيضاً على اقتصاده، بعد تزايد الإضرابات وتراجع المؤشرات، وخائف أيضاً من عدم قدرته على الاستمرار في ضبط عوامل الانفجار في حال حُكم عليه بالتعايش مع نزاع طويل في سورية. في سياق الحوارات التي تجريها «الحياة» مواكَبةً للتطورات في لبنان، طرحنا هذه الأسئلة والمخاوف على الرئيس سعد الحريري، وهنا نص الحوار: هناك من يعتقد أن رغبتكم الشخصية في الثأر من الرئيس بشار الأسد دفعتكم إلى الانحياز مبكراً إلى الانتفاضة السورية؟ - أنا لا أؤمن بالثأر، والسياسة لا يجوز أن تُبنى على مشاعر من هذا النوع. ما حدث هو التالي: تظاهَرَ السوريون مطالبين بالحرية والكرامة وإنهاء الظلم والفساد، فردَّ النظام بقتل المتظاهرين السلميين والأطفال والنساء. شعرتُ بواجب شخصي وإنساني في اتخاذ موقف صريح وعلني. ثم إنني خشيت، وفي ضوء معرفتنا بهذا النظام، أن يكون مستعداً لتدمير سورية من أجل بقائه. وتدمير سورية مأساة للسوريين، وكذلك للبنانيين والمنطقة. سورية دولة محورية، وبين الشعبين اللبناني والسوري روابط عميقة متنوعة ومصالح متبادلة. للأسف أكدَتْ التطورات اللاحقة صحةَ مخاوفنا. طرحت السؤال لأن علاقاتكم بسورية كانت شديدة السوء؟ - كانت علاقتنا سيئة بالنظام السوري لا بالشعب السوري. لم تكن لدينا مشكلة مع الشعب، الذي كان يفتح صدره للبنانيين كلما مروا في محنة، وقبل حرب تموز (يوليو) 2006 بسنوات طويلة. المشكلة أن النظام كان يعتاش من إثارة الاضطراب لدى الدول المجاورة، وهو ألحق ظلماً كبيراً باللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين، وحاول زعزعة الاستقرار في الأردن، لكن الأحداث أظهرت أنه ألحق ظلماً مضاعفاً بالسوريين أنفسهم. حين كنا نشكو من ظلم هذا النظام في السنوات الماضية ونهجه القائم على الاغتيالات والاستباحة والانتهاكات، كان هناك من يتهمنا بالمبالغة. اليوم نسمع الدول القريبة والبعيدة تقول أكثر مما قلناه، وتحذّر من آثار التدمير الممنهج لسورية في عقاب جماعي شديد لشعبها. شكوتم سابقاً من التدخل السوري في الشأن اللبناني، وسارعتم إلى التدخل في الشأن السوري؟ - النظام السوري، صاحبُ الأرقام القياسية في التدخل في شؤون جيرانه، يحاول إخفاء الحقيقة. مشكلته أولاً وأخيراً مع شعبه، فالثورات لا تُستورَد من خارج، وكلنا يعلم كيف كانت شرارة الأحداث، وكيف أدى استخدام القوة المفرط ضد المدنيين إلى امتداد الاحتجاجات إلى كامل الأراضي السورية تقريباً. ثم هل يُعتبر تدخلاً قيامُنا بمساعدة لاجئ أو نازح أو جريح، ومحاولة توفير دواء أو غذاء لمن هو في أشد الحاجة إليهما؟ هذا الدور واجب أخلاقي وإنساني. أما إذا كنت تلمح إلى اتهامات النظام في شأن عمليات تسليح، فنحن تيار سياسي لا يقتني السلاح أصلاً، ثم إن هذه العملية تفوق قدراتنا، وبكثير. بصدق أقول إن ممارسات النظام السوري هي المحرّض الأكبر للسوريين للثورة عليه، وهو يدرك ذلك ويحاول إخفاء الحقيقة، بزعم أنه ضحية مؤامرة خارجية. هناك من يتخوف من قيام نظام أصولي متطرف على أنقاض نظام «البعث» في سورية؟ - إصرار النظام على تدمير المدن والقرى والفتك بالمدنيين ضاعف الغضب لدى السوريين المعارضين، الذين اضطروا بعد شهور من بدء احتجاجاتهم، إلى الدفاع عن أنفسهم وأحيائهم بالسلاح. في مناخ بهذه الحدة، يمكن التطرف أن يظهر، ويمكن بعض المجموعات أو الأفراد أن يرتكبوا ممارسات غير مقبولة. من يعرف تركيبة سورية المتنوعة مذهبياً وعرقياً، ومن يعرف طروحات المعارضة السورية، يخرج بانطباع أن الغلبة ستكون في النهاية للاعتدال، وأن من ثاروا ضد التسلط لن يستبدلوه بتسلط من طبيعة مختلفة. قرار مستقبل سورية يتخذه السوريون. أعتقد أن غالبية السوريين الذين ثاروا على النظام يريدون سورية ديموقراطية تعيش في ظل القانون والاعتراف بالآخر وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان، سورية ديموقراطية تلعب دورها الطبيعي في محيطها العربي والإسلامي وتقيم علاقات طبيعية مع العالم. هناك من يشير إلى دور للتيارات الإسلامية؟ - التيارات الإسلامية موجودة في سورية كما هي موجودة في لبنان وفي بلدان أخرى، المهم العيش في ظل القانون واحترام إرادة الناس المعبَّر عنها من خلال صناديق الاقتراع. لا أعتقد أن السوريين سيقعون في تجربة اللون الواحد بعد أن قدّموا كل هذه التضحيات للخروج من عهد اللون الواحد المفروض على المجتمع والدولة. إن محاولة احتكار الإسلام واستخدامه للسيطرة على الحكم والمجتمع لن تؤدي إلا إلى توترات جديدة ومواجهات جديدة. نحن موقفنا صريح وخيارنا هو الاعتدال واحترام رأي الآخر مهما اختلفنا معه، ورفض نهج التخوين والشطب والإلغاء من أي جهة أتى. المجتمعات التي تعيش في القفص والتوتر الدائم مجتمعات لا تستطيع مواجهة أعباء التنمية والتعليم والصحة، وتستنزف قدرات الناس في معارك وهمية وهامشية. أنا أتمنى لسورية ما تتمناه لها غالبية السوريين، أي سورية مستقرة ومزدهرة تحترم حقوق الإنسان والمواطن والمرأة والطفل، وتوفر لأبنائها تعليماً متطوراً وعناية صحية متقدمة. خذ مثلاً مسألة الدستور، أنا أعتقد أن المهمة الأولى للدستور هي ضمان العيش المشترك بين المكونات، أي ضمان الشراكة الوطنية على قاعدة الاعتراف المتبادل والتساوي في الحقوق والواجبات داخل هذا الوعاء الوطني الذي يجب أن يتسع للجميع. أي التشديد على فكرة الدولة؟ - نعم، الدولة والتنمية المستدامة وتأهيل الاقتصاد وتطوير التعليم والقطاع الصحي ومكافحة الفقر والبطالة. انظر إلى سورية: تحت شعار المقاومة والممانعة تمت مصادرة الحريات، وتدهوَرَ الاقتصاد، وازداد الفقر، وشاع الفساد، وتخلفت سورية عن الدول الأخرى. عطل النظام حياة الناس في بلد يمتلك قدرات وحيوية. لو كنتَ رئيساً للحكومة واندلعت الأحداث في سورية، هل كنت ستتخذ الموقف الذي اتخذْتَه وأنت في المعارضة؟ - نعم، لأن هذا الموقف هو لمصلحة لبنان وسورية معاً. المرونة في السياسة لا تعني التفريط بالثوابت والمصالح الوطنية. أن تخسر رئاسة الحكومة أفضل ألف مرة من أن تخسر ثقة الناس. قرار إزاحتي من رئاسة الحكومة اتُّخذ لأنني رفضت أن امشي في أي خطوة تنتهك سيادة لبنان ومصالحه والعيش المشترك بين أبنائه ووجود الدولة فيه. إن ما سيق من أعذار يومَها عن المحكمة الدولية وشهود الزور... وغير ذلك من الملفات، كان مجرد تضليل، والدليل طريقة التعامل مع تلك الملفات بعد غيابي. أنا أُزحت لأنني كنت أقول لا حين تفرض مصلحة لبنان ذلك. لمن كنت تقول لا؟ - لبشار الأسد و «حزب الله»، ولهذا اعتبروا وجودي في رئاسة الحكومة عقبة أمام برنامجهم. لنترك الماضي. ماذا تقول الآن؟ - أقول إننا محكومون بالعيش معاً، وهذا قدرنا وخيارنا، لكن هذا العيش لا يمكن أن ينتظم إلا تحت سقف دولة مكتملة المقومات، وتكون المرجع الأول والأخير، وتشكل بدستورها وقانونها الضمانةَ الفعلية للأفراد والجماعات. إن أي محاولة من فريق لشطب فريق آخر أو كسر إرادته مناقضةٌ لطبيعة لبنان نفسه ولا تؤدي إلا إلى التوتر أو الصدام. ويخطئ الفريق هذا إذا اعتقد أن الآخرين سينصاعون لإرادته. لا خيار أمام اللبنانيين غير اللقاء تحت سقف الدولة ومؤسساتها. الدولة المسلوبة الإرادة خطرة على اللبنانيين. لا يحق للبناني الاستقواء على لبناني آخر، لا بالقوة العسكرية ولا بالتحالفات الإقليمية. هذه ثوابت وطنية تمسكْنا بها في كل الظروف، ونلتزم بها، ولا نراهن على أي استقواء أو تبدل في الظروف. هناك من يقول إنك لم تنس جرحَ إخراجك من رئاسة الحكومة، وإنك لم تتقبل فكرة وجود الرئيس نجيب ميقاتي في المكتب الذي كنت تشغله؟ - أولاً أنا لست مصاباً، ولله الحمد، بعقدة رئاسة الحكومة. في الديموقراطية انتخابات ونتائج وتغييرات، ومن لا يقبل بذلك لا ينتمي إلى هذا العالم الذي نعيش فيه. ثم إن محاولة إلباس المسائل الطابعَ الشخصي ليست صحيحة، ولو كنت مولعاً بهذا المنصب لتوليتُه قبل سنوات. الأمر لا يتعلق بأشخاص، بل بمشروع، واليوم نرى مشروعاً يفتت البلد ويقتل المؤسسات والاقتصاد ويغطي انتهاك سيادة لبنان ويحاول إلحاق البلد بمحور لا يمكن أن يكون لبنان جزءاً منه. هل أفهم أنك لست مرشحاً دائماً لرئاسة الحكومة؟ - أعوذ بالله. حين ذهبت إلى السرايا للمرة الأولى رئيساً للحكومة، قرأت بتمعن عبارة وضعها والدي هناك، وهي: «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك». لا يحق لأي شخص أن يعتبر هذا الموقع أو ذاك حكراً عليه. أنا أريد أن يكون شاغلُ الموقع يحمل مشروعاً للنهوض بالبلد، وأن يصل إليه بالوسائل الديموقراطية، لا بتعطيلها أو الالتفاف عليها، وألاّ تناقض سياستُه الفعلية تصريحاتِه التي تعتمد الغموض والتستر. نحن لدينا مشروع هو احترام اتفاق الطائف والنهوض بالاقتصاد والتنمية وبسط سيادة الدولة. ما هو مأخذك على ميقاتي؟ - لقد عملنا معاً في السابق، وكان مختلفاً. واليوم أسأل الحكومة الحالية: أين الاستقرار؟ وأين الاقتصاد؟ وأين بسط سيادة الدولة؟ وأين لبنان أولاً؟ وأين ثقة الدول العربية والعالم بلبنان؟ رفعَتْ الحكومة شعار النأي بالنفس عن الأحداث في سورية، لكنها لم تطبق ذلك مثلاً في الجامعة العربية. ثم إن «حزب الله»، وهو الطرف الحاسم في هذه الحكومة، أقر علناً بإرسال مقاتلين إلى سورية لدعم النظام، ولم يَصدر عن الحكومة أيُّ تعليق. أريد أن أسأل: ما هي الرسالة التي نبعث بها إلى الشعب السوري حين نقف إلى جانب النظام الذي يقتله؟ هل هكذا نردّ الجميل للشعب السوري الذي احتضن اللبنانيين في 1982 وصولاً الى 2006. هذا الاحتضان لم يكن لفريق او حزب، بل كان للشعب اللبناني. النظام السوري كان يضطهد اللبنانيين، أما الشعب السوري فتربطنا به صلات التاريخ والرحم والجيرة والمصالح. هل يحق لحزب في لبنان أن يقرر أن نظام الأسد يجب أن يبقى حاكماً وبغض النظر عن رأي الشعب السوري؟ هل أفهم أنك متمسك بإسقاط هذه الحكومة؟ - نعم، نظراً لما تمثل، وللأضرار التي ألحقتها بالبلد في السياسة والاقتصاد والاستقرار. نسمع من يقول إن الاستقرار رهن ببقاء هذه الحكومة. هل يعني ذلك أن قرار الاستقرار هو ورقة في يد «حزب الله»، وأنه سيفجر الاستقرار إذا سقطت الحكومة التي يهيمن عليها؟ في هذه الحال، من هو المولع بالسلطة ويسعى بكل الوسائل للاحتفاظ بها؟ أين قصّرت الحكومة؟ - هذا السؤال وحده يحتاج إلى مقابلة خاصة. ما رأيك بفضيحة الأدوية وتزوير المستندات؟ وما رأيك بأحوال الكهرباء والطرق والموازنة وخسارة ثقة المجتمع العربي والدولي وقصة الأجنحة العسكرية؟ تطالب بحكومة حيادية؟ - نطالب بحكومة قادرة على إجراء انتخابات نزيهة، ونقبل في 14 آذار بنتائجها. وفق أي قانون؟ - سيتم في النهاية التوصل إلى قانون. الغريب أن بعض من كانوا يعتبرون قانون الستين إنجازاً وإعادة للحقوق، لا يقبلون به اليوم. يبدو أن الفريق الآخر كان يعتقد أنه سيفوز بموجب هذا القانون، ولأن ذلك لم يحصل يحاول الآن تمرير قانون يناسبه. سنتفق في النهاية على قانون. وهنا أريد أن أقول إن اللبنانيين لن يشعروا بالطمأنينة إلا إذا قامت دولة فعلية، فالدولة هي الضامن للأفراد والجماعات والحقوق والحريات. قامت 14 آذار على شراكة إسلامية-مسيحية، ونحن نتمسك بذلك. وبصراحة أقول: أنا أفضّل أن أخسر الانتخابات على الوقوع في فخ المزايدات المذهبية. هذه الشراكة هي التي تؤسس لشراكة وطنية كاملة تضم الجميع. الملفت أن يد الجريمة استهدفت دائماً مَن حاول التأسيس لشراكة وطنية أو لقيام الدولة، وبغض النظر عن الفروقات، لهذا استُهدف كمال جنبلاط وبشير الجميل ورينه معوض ورفيق الحريري. كان المطلوب إبقاء كل شخص أسيراً لدى طائفته. كان والدي يقول إن المسيحي المعتدل أقرب إلي من المتطرف في طائفتي. وأنا أقول إن المعتدل في أي طائفة أقرب إلي من المتطرف في طائفتي. وبصراحة، ومن دون مواربة: أنا ضد كل استغلال للدين أو للمذهب لكسب شعبية. يجب أن نرد على المزايدات المذهبية بترسيخ خيارنا الوطني وتعميقه. هل تتخوف من إمكان إرجاء موعد الانتخابات؟ - نحن نريد إجراء الانتخابات في موعدها وتمكين اللبنانيين من قول كلمتهم. أتخوف على الانتخابات ممن يعتقدون أن نتائجها لن تأتي لصالحهم. لكن سيكون غريباً أن يتجه العالم العربي إلى الديموقراطية والانتخابات ونذهب نحن في اتجاه معاكس. هل تعتقد أن القوى المنضوية في 14 آذار قادرة على خوض الانتخابات متحالفة هذه المرة؟ - أعتقد أن ليس لدينا أي خيار آخر. المهم أن نعي أن مشروع 14 آذار هو مشروع سيادي يتضمن رؤية سياسية واقتصادية للنهوض بالبلد. من هنا يجب النظر إلى المعركة الانتخابية والتصرف على هذا الأساس. إذا خضنا المعركة على هذا الأساس أجد فرصة كبيرة لنا للفوز فيها. أريد أن أنوّه هنا بدور المستقلين، وهم عصب أساسي وتيار واسع في 14 آذار، وعلى كل القوى المتحالفة، بدءاً منا نحن، أن تتعامل بواقعية مع هذا الموضوع. الأحزاب وحدها لا تمثل كل الناس، وهذا يصدق في بيروت وفي مناطق أخرى. هل تتوقع أن يكون النائب وليد جنبلاط جزءاً من هذا التحالف؟ - لا أريد استباق الأمور أو أن أجيب نيابة عن وليد بك. طبعاً حصل تباين في الفترة الأخيرة. أنا أستطيع أن أجيبك عن موقفي. المرحلة صعبة بلا شك، لكننا سنتمسك بموقفنا مهما كانت التهديدات. لن نتخلى عن مشروع الدولة. نحن على تواصل مع وليد بك، لكن هذا التواصل يجب أن يكون في الاتجاهين. ومن حقي كمعارض أن أطالب برحيل الحكومة. ما هي حقيقة موقف المجتمع الدولي من الحكومة الحالية؟ - ليس لدى المجتمع الدولي موقف واضح وتفصيلي. إنهم يتخذون مواقف عامة تتحدث عن ضرورة المحافظة على الاستقرار. هناك شيء من الارتباك أو عدم الوضوح. الحقيقة أن بيننا وبين المجتمع الدولي مبادئ مشتركة، لكن التجربة علمتنا أن نتحرك انطلاقاً من ثوابتنا ثم يكتشف المجتمع الدولي صحة مواقفنا ويتعاطف معها. أنتم الآن في حالة قطيعة مع «حزب الله»؟ - طبعاً، مع الالتفات إلى أن الحزب هو من اختار القطيعة. كنا في شراكة في الحكومة، وقرر الحزب قتل هذه الشراكة. الحزب هو قرر ذلك واختاره، وراحت مواقفه تعمق هذه القطيعة التي بدأها. أسمع كلاماً غريباً من نوع أننا ندعو الجميع إلى طاولة الحوار. الحوار جميل جداً ولذيذ ولكن على أي أساس؟ أنا أقول وبصراحة إن الأسلوب الذي اعتمده «حزب الله» أضر بالعيش المشترك، ولم يسمح بقيام علاقات حقيقية حتى بين الأحزاب. لا يمكن أن تستدعي الآخرين إلى الحوار حين يناسبك ذلك ثم تضرب نتائج الحوار حين يناسبك ضربها. ثم إن محاولة إلغاء الآخر متعذرة في لبنان. لهذا مش ماشي الحال. أقول ل «حزب الله» إن السياسة التي يعتمدها لا يمكن أن تبني بلداً. ألم نتعلم من ذيول مغامرة 7 أيار في بيروت؟ إذا أردت أن توجِّه رسالة إلى «حزب الله» اليوم، ماذا تقول فيها؟ - أقول إن البلد دفع غالياً ثمن الخروج على منطق الشراكة الوطنية ومنطق الدولة والمؤسسات. نحن أبناء وطن واحد ومحكومون بالعيش معاً، لكن على قاعدة اللقاء تحت سقف الدولة والدستور والمؤسسات. لغة الفرض والتهديد والإملاء لا تجدي، لأن الرضوخ غير وارد. الشراكة تقوم على الاحترام والعدالة والتساوي في الحقوق والواجبات. ليس هناك أي خيار آخر. إن المصلحة الفعلية لجمهور الحزب هي نفسها المصلحة الفعلية لجمهور «تيار المستقبل» والقوى السياسية الأخرى، فلننهض معاً بدل أن نغرق معاً ونُغرق البلاد معنا. إن نهج إضعاف الدولة خطر، والدليل ما نراه من تسيب وفساد. وعن موقف الحزب مما يجري في سورية؟ - موقفه هذا شديد الخطورة. الصراع في سورية سياسي وليس مذهبياً، وسورية ستبقى والنظام سيذهب. النظام يريده صراعاً مذهبياً ليبرر قمعه وبقاءه، لكن السوريين لن يقعوا في الفخ، ويدركون لعبة النظام. ويفترض أيضاً أن يكون «حزب الله» واعياً لخطورة ما يفعله النظام، كما لخطورة انحيازه الى نظام محكوم بالسقوط بسبب ما يفعله بشعبه. إن الوقوف مع الظالم أمر بالغ الخطورة، ذلك أن الاعتبارات الأخلاقية تحتم الوقوف ضد الظالم أو على الأقل عدم مساعدته في إدامة ظلمه. أتمنى أن يستيقظ «حزب الله» ويعيد تقويم موقفه الذي يمكن أن يُدخل لبنان في متاهة نحن بغنى عنها. تقصد في حال حصول تغيير في سورية؟ - هنا أيضاً أريد أن أكون واضحاً. نحن سنقف دائماً ضد أي تدخل سوري في شؤون لبنان. ولن نقبل أبداً أن تكون سورية ضد فريق لبناني. نحن نريد علاقات متكافئة بين دولتين مستقلتين. لهذا أدعو «حزب الله» إلى مراجعة مواقفه. ما أقوله عن سورية أقوله عن أي دولة اخرى. أتمنى أن يعيد «حزب الله» قراءة سياسته في الداخل والخارج. لا يستقيم الوضع في لبنان إلا بقيام دولة هي المرجع الوحيد للبنانيين وتكون صاحبة قرار الحرب والسلم. وعلى الدولة أن تبسط سيادتها على كل أراضيها وأن تتحمل مسؤولية استعادة ما بقي محتلاًّ من الأرض. لكنك تنسى هنا العامل الإيراني؟ - لا أنسى ذلك أبداً. وأدعو في المناسبة إلى عدم توريط لبنان في أي مجازفة قد تتسبب في تدمير واسع لنا، وفي صراعات ومناورات تفوق قدرتنا ولا مصلحة لنا فيها. ألم يكن من الأفضل مثلاً لو كانت الطائرة من دون طيار والإمكانات العسكرية الأخرى في تصرف الجيش اللبناني؟ وهل يحق لحزب مشارك في الحكومة امتلاك مثل هذه الطائرة وإطلاقها من دون معرفة أي جهة رسمية؟ وماذا لو تسببت بعمليات عدوانية إسرائيلية؟ بماذا شعرت لدى اكتشاف ما بات يُعرف بشبكة سماحة-مملوك؟ وهل فوجئت؟ - لا، لم أفاجأ، لكنه أمر شديد الخطورة أن يزود أرفعُ مسؤول أمني سوري وزيراً لبنانياً سابقاً متفجراتٍ الهدفُ منها إحداث فتنة في لبنان. لم أفاجأ لأن من لا يرحم شعبه في سورية لن يرحم الشعب اللبناني، وهو لم يرحمه أصلاً. لم أفاجأ لأننا سمعنا من المسؤولين العراقيين ما فعله النظام السوري في العراق، وكم مرَّر عبر الحدود من المتفجرات والمسلحين. هذه الحادثة لا تنفصل عن أحداث سبقتها، محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع ومحاولة اغتيال النائب بطرس حرب. الغريب أن مطبخ التضليل يسارع إلى إنكار وجود هذه المحاولات، كما كان يحاول بعد الاغتيالات صرف الأنظار وتوجيه الاتهامات إلى جهات لا علاقة لها. لماذا اغتيل اللواء وسام الحسن؟ - عوقب على وطنيته. وسام رحمه الله ضابط يؤمن بالدولة، واعتبرها المرجعَ الوحيد للجهاز الذي كان يرأسه. وهو ضابط سيادي يعتبر أن مصلحة لبنان تتقدم على مصلحة أي حزب أو فريق فيه. ثم إنه نجح في الإمساك بخيوط في ملف الاغتيالات، خصوصاً الشبكة التي كانت تراقب والدي قبل اغتياله، ثم نجح في إحباط مخطط سماحة-مملوك. لم يكن يجاري أحداً، بمن فيهم نحن إذا كان الطلب لا يتوافق ومصلحة الدولة. طبعاً تعرّض وسام قبل اغتياله لحملات علنية وتهديدات، وتناسى كثيرون أن الجهاز نفسه اكتشف عشرات الشبكات الإسرائيلية العاملة في لبنان. غياب وسام خسارة وطنية وخسارة شخصية كبرى لي، بسبب علاقتنا وصداقتنا، وتقديرُنا لهذا الضابط المميز لضميره الوطني وكفاءته. أعتقد أن رفاقه لن يترددوا في تحمل المسؤولية كاملة وبشجاعة واقتدار. كيف تصف علاقتك بالرئيس ميشال سليمان؟ - أُكنّ تقديراً كبيراً لفخامة الرئيس، وأعتقد أن مواقفه كانت دائماً شجاعة وترمي إلى جمع اللبنانيين. أحيّي مثابرته وصبره. لقد نجح في إعادة الاحترام إلى مركز الرئاسة سواء في الداخل والخارج. قيل في وقت سابق إنك بذلت جهودا لإطلاق اللبنانيين المحتجزين في سورية؟ - أعتبر ذلك جزءاً من واجبي ولا نزال نحاول. النائب عقاب صقر يكرر محاولاته مع الفريق الذي يمكن أن يؤثر على الخاطفين. فخامة الرئيس يعمل أيضاً من أجل إطلاقهم، والحكومة التركية تبذل جهوداً وأتمنى أن تكلَّل هذه المحاولات بالنجاح. كيف تقوّم الموقف العربي من لبنان حالياً؟ - لا أبالغ إذا قلت إن الإخوة العرب يلحّون على الاستقرار في لبنان، وأحياناً أكثر من اللبنانيين انفسهم. لعب العرب دور الناصح والمساعد. لقد وقفت المملكة العربية السعودية دائماً إلى جانب لبنان ودعت إلى احترام سيادته واستقلاله واستقراره ودعم اقتصاده، ونصحت اللبنانيين بالتمسك بنهج المصالحة والتعاون. هل تخشى تصاعد الخلاف السني - الشيعي في المنطقة؟ - للأسف هناك من يحاول دفع الاحتقان الحاصل ليتحول نزاعاً، وهو امر خطر ومرفوض. إن تدخلات إيران في عدد من الدول العربية ترمي إلى جمع الأوراق استعداداً للتفاوض وإذا أبرمت اتفاقاً ستتخلى عن هذه الاوراق. انا اعتقد ان مصلحة الشيعة العرب هي الاندماج في مجتمعاتهم، أُسوة بسائر المواطنين. وفي لبنان تحديداً، يصدر كلام من نوع أن فريقاً مسيحياً في 14 آذار يحرض على الفتنة السنية-الشيعية، وأن بعض تيار المستقبل يماشيه في ذلك. هذا الكلام «بلا طعمة»، لا بل إنه التحريض بعينه على الفتنة. في الحقيقة ما يجري هو أن الحكومة اللبنانية ومنذ وصولها تسهّل وتغطي وضع لبنان برمته على خط التوتر. طرابلس وضعت على خط التوتر، وبيروت وضعت على خط التوتر، والآن نرى صيدا توضع على خط التوتر. مسؤولية الحكومة أن تعالج ما يحصل في صيدا وفي كل لبنان، وأن تعالج التوتر، لكن كيف لها ذلك، وهي المسهِّل والمغطي، بينما أن الحاجز الذي كان يقف في وجه الفتنة، وهو وسام الحسن، قد تم اغتياله؟ هل انت عائد الى بيروت؟ - بالتأكيد أنا عائد في الوقت المناسب. ألا تغريك سلامة الإقامة الدائمة في المنفى؟ - لبنان وطني وحبي وشوقي، ولا أرى نفسي إلا فيه، وسأحاول القيام بواجبي كاملاً. قرأنا عن صعوبات مالية تعيشها مؤسساتك؟ - تأثرنا كغيرنا بالأزمة المالية العالمية. كانت لدينا صعوبات عولج بعضها ونعمل على معالجة البعض الآخر. الامور أفضل والحمد لله. لنفترض أن العماد ميشال عون اتصل بك، أليست هناك فرصة للحوار؟ - نحن لا نريد الحوار للحوار أو لالتقاط الصور. ولم نكن الفريق المبادر الى قطع الحوار كما أشرت سابقاً. لا يستطيع لبناني رفض الحوار اذا كان صادقاً وهدفه قيام دولة مكتملة المقومات والمؤسسات. حوار حقيقي وجدّي مرجعيته الدولة. سارعت بعد اغتيال اللواء الحسن الى اتهام الرئيس الاسد، فأين هو الدليل؟ - سماحة نفسه اعترف بدور علي مملوك، وموقعه معروف، ثم إن أذناب النظام السوري كانوا شنوا حملة تهديد ضد الحسن. لمن قتلوا وسام الحسن أقول بوضوح إن العدالة ستطاردهم مهما تأخر الوقت، خصوصاً أن النظام الذي أرسل المتفجرات ساقط لا محالة. هل تنتظر سقوط النظام في سورية للعودة الى لبنان؟ - لا. خلال تأبين الحسن ومرافقه في المقر العام لقيادة قوى الأمن الداخلي. وبدا من اليسار الرئيسان سليمان وميقاتي ووزير الداخلية وقائد الجيش . (علي سلطان)