قال الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان ان «لا دور سورياً أو إيرانياً سلبياً في الوضع اللبناني الحالي»، لكنه أكد في المقابل أن المسائل الإقليمية تنعكس على لبنان. وقال سليمان في حديث مطول الى «الحياة» في نيويورك حيث ألقى كلمة لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ان الرئيس الأميركي باراك أوباما تعهد له بأنه لن يكون هناك حل على حساب لبنان وأن موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يحتل أيضاً الأولوية لدى الولاياتالمتحدة كما لدى اللبنانيين. وأبدى الرئيس اللبناني قلقه من مرحلة صعبة أمام لبنان، لكنه أكد أنه غير خائف عليه. وتطرق الى موضوع تأليف الحكومة، فلفت الى أن «الالتزام بالمصلحة الوطنية أجدر من رفض توزير الراسبين» في الانتخابات النيابية. وكشف عن عدم اعتقاده بأن الرئيس المكلف سعد الحريري كان يريد فعلاً التوقيع على التشكيلة الحكومية التي قدمها. وقال إنه لا يرفض حكومة أقطاب أو تكنوقراط شرط أن تكون حكومة وحدة وطنية. وهنا نص الحديث: برنامجكم في نيويورك كان حافلاً باللقاءات. اجتمعتم مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وآخرين. كيف كانت اجتماعاتكم مع الرئيس الإيراني وهل بحثتما انعكاس الوضع الإقليمي عبر إيران على الساحة اللبنانية؟ - كل اللقاءات كانت جيدة. لا يخفى الأمر أن لبنان استعاد الصدقية في الدول الصديقة والمجاورة وأيضاً في دول العالم كافة، التي جعلت رؤساء الدول الذين التقيتهم أصبح لديهم احترام مميز لرئيس لبنان. للأسف في أيام الفوضى لم يكن هذا الاحترام موجوداً، أما الآن فاستعدنا مكانتنا. طبعاً بالتداول مع هذه الدول نبني علاقات صداقة. اليوم العالم أصبح مفتوحاً أكثر على بعضه. لا أحد يستطيع أن يعزل نفسه ويسيّر أموره. على رغم أننا نقول "سيادة، واستقلال وحرية" هذا صحيح، إلا أن العلاقات الجيدة مع الدول المجاورة، الشقيقة أولاً والصديقة ثانياً ودول العالم أيضاً، تسهل شؤون الحياة، والدليل أننا الآن، بلد متعافٍ إلى حد كبير من خلال هذه العلاقات. بلد متعافى لكن ليس في شكل كامل، إذ إنه لا يزال من دون حكومة، وهناك تأثير ايراني معروف في الوضع اللبناني. هل وعدكم الرئيس الإيراني بتسهيل الأمور كي يكون في الإمكان المضي الى الأمام وتشكيل الحكومة؟ - الحقيقة أننا لا ننكر تأثيرات الدول في بلد مثل لبنان ونحن نعاني مشاكل إقليمية. من أين تأتي معاناة لبنان؟ تأتي من هذه المشاكل الإقليمية التي تنعكس على لبنان. ولكن في ودنا أن ندير شؤوننا بأنفسنا مع الحفاظ على علاقات الصداقة التي تعطي قوة للبنان عندما تكون صادقة. أنتِ قلتِ إنه ليس متعافياً. بل إنه متعاف ويظهر تعافيه بأنه حتى لو تأخر تأليف الحكومة فالوضع لا يزال جيداً، وهذا يعني أن البلد متعاف. أي لم تعد تؤثر فيه أزمة سياسية مثل هذه. من دون شك. إنما كما قلتم هناك الناحية الإقليمية. فما كان شعوركم بعد هذه الاجتماعات، خصوصاً مع الرئيس الإيراني. هل طلبتم منه شيئاً معيناً؟ - أبداً. طلبت من الرئيس الإيراني دعم موقف لبنان في شكل عام وأيضاً على الساحة الخارجية، أي دعم موقف لبنان في دول العالم، وعدم السير بأي حل على حساب لبنان، هذا ما طلبته من الرئيس الإيراني ومن غيره. الجميع مهتم أن يتعافى لبنان وتصبح هناك حكومة في أقرب وقت، ولكن لا أحد منهم يريد التدخل مباشرةً. يبدو أن هناك قراراً أميركياً – فرنسياً - بريطانياً لإعطاء مهلة زمنية لإيران في موضوع الملف النووي. وهناك حديث عن عقوبات وتصعيد ديبلوماسي. هل تخشى أن ينعكس ذلك سلباً على لبنان؟ - علينا أن نعمل كي لا تنعكس هذه الأمور على لبنان وأن نخفف من انعكاس الشؤون الإقليمية على الداخل اللبناني. طبعاً، نحن نخشى من هذا التحذير، وأن تقع الدول الغربية في خطأ، كما وقعت في العراق. ماذا تعنون بذلك؟ - عندما تمت مهاجمة العراق، بحجة أن العراق لديه أسلحة دمار شامل ولم يتبين ذلك في ما بعد، وهذا ما كنا نحن نشعر به قبل الدخول الى العراق. كنا نقول للمجتمع الدولي أن يتنبه الى هذا الموضوع، لأن هذه المعلومات قد تكون غير دقيقة ونخشى أن يتكرر ذلك في إيران. تقصدون أنكم تخشون من ضربة عسكرية؟ - أخشى من الاتهام. لا. الضربة العسكرية الآن بعيدة. يتكلمون على عقوبات اقتصادية وتعلمين أن هذه العقوبات لا تضر، لا تؤذي الدول المعاقبة. تؤذي شعوبها ولكن الحكومات ربما تستفيد من هذه العقوبات. إذاً، ما العمل؟ إذا سار الثلاثي الأميركي – البريطاني -الفرنسي في هذا الاتجاه، هل تخشون أن يدفع لبنان ثمن ذلك؟ أم أنكم حصلتم على تعهدات من الرئيس ساركوزي مثلاً، عندما اجتمعتم به، هل بحثتما في كيفية حماية لبنان من أن يكون ساحة للتفجير الإقليمي؟ - الكل يريدون ألا تؤثر الأحداث في لبنان. وعندما قابلت الرئيس ساركوزي والرئيس باراك أوباما تحدثت معهما خصيصاً عن لبنان وقضية الشرق الأوسط. والرئيس نجاد أيضاً لا يريد إلا الخير والاستقرار للبنان. كذلك كل الرؤساء الذين التقيتهم، يريدون الخير للبنان. أفضّل أن نتابع الحوار. أما حل الموضوع النووي، فلا يكمن فقط في إيران، هناك إسرائيل التي تملك سلاحاً نووياً. وأرى أن القرار الذي اتخذ بالأمس في مجلس الأمن، والذي حضرت كل الجلسة المخصصة له، هو المدخل الصالح لموضوع السلاح النووي. بالنسبة الى لقائك مع الرئيس أوباما، هل أعطاكم تعهداً ما في ما يخص لبنان؟ - تعهد لي بأنه لن يكون هناك حل على حساب لبنان، وأن موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يحتل أيضاً الأولوية عند الولاياتالمتحدة كما لدى اللبنانيين. عندما يقول إنه لن يكون هناك حل على حساب لبنان، هل يقصد بتبنيه سياسة الحوار والتفاهم مع إيران ومع سورية، أن ذلك لن يكون على حساب لبنان؟ - طبعاً لن يكون هذا على حساب لبنان. وهذا عبّر عنه (المبعوث الأميركي) جورج ميتشل عندما زارني في بيروت قبل أسبوع. ومع الرئيس ساركوزي، هل بحثهما كيفية تفعيل الدور الفرنسي في مساعدة لبنان، بعدما بدا وكأن هناك تحفظات أو انتقادات للدور الفرنسي؟ - لا أظن أن هذه الانتقادات هي دقيقة أو في محلها. فرنسا تسعى الى الانفتاح على دول الشرق الأوسط، وخصوصاً على سورية وقد بادرت الى ذلك. والرئيس ساركوزي تشاور معي في هذا الموضوع قبل زيارته سورية وشجعته على ذلك، وعلى الانفتاح على قضية الشرق الأوسط وعلى سورية بالذات. إيجاد الحلول العادلة لقضايا الشرق الأوسط تريح لبنان. اجتمعتم أيضاً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولا بد من أنكم بحثتم معه عملية السلام وموضوع المنظمات الفلسطينية في لبنان، خصوصاً المنظمات المسلحة، فهل تفاهمتما على جديد؟ وهل له أي دور؟ - تعلمين أن الفلسطينيين منقسمون الى فصائل عدة، وهذا أمر طبيعي. هناك فصائل تنتمي الى منظمة فتح وهناك فصائل لا تنتمي الى منظمة فتح. وإجمالاً علاقة لبنان مع معظم الفصائل جيدة ولكن الرئيس عباس يستطيع أن يتكلم في ما يتعلق ب "فتح" وكرئيس للسلطة الفلسطينية. ولا يقبل أبداً ارتكاب أي مخالفة للقانون في لبنان. ويقول دائماً: "نحن نشكر لبنان على ما تحمّل من أجل القضية الفلسطينية، ونحن للبنان بكل أمر تريده الحكومة". أما مسألة المراكز الفلسطينية المسلحة، فهذا أمر اتُخذَ فيه القرار على طاولة الحوار في لبنان ونحن في صدد التنفيذ. طبعاً لا نقول التنفيذ بالقوة لأنه يكفي الفلسطينيين ما يتعرضون له. سننفذ هذا بحوار وتفاهم مع الفصائل المعنية. مضى الكثير من الوقت وأنتم تحاولون ذلك. - صحيح، ربما مشاغل لبنان وعودته الى الاستقرار الكامل هي الأولوية في هذا الموضوع قبل أولوية المراكز التي لا تخالف القوانين اللبنانية حالياً. هناك مخاوف من استغلال إسرائيل وجود المنظمات الفلسطينية المسلحة والميليشيات الأخرى غير المنضبطة في لبنان من أجل تحويل الأنظار والضغوط الدولية عنها وافتعال الأزمات على الساحة اللبنانية. كيف تتعاطون مع هذا الأمر كرئيس دولة يريد أن تكون هناك سلطة للدولة وحدها. - هذا ما تلجأ إليه إسرائيل دائماً، تبتعد عن مشاكلها وإحراجها من جانب الدول الكبرى من طريق اتهام لبنان. ولكن العالم كله أصبح يعرف أن إسرائيل هي التي تخرق القرارات الدولية وهي التي تخرق سيادة لبنان بشتى الطرق وهي التي لم تنسحب من (بلدة) الغجر منذ ثلاث سنوات، لم تنسحب من الغجر فقط، لا أقول من مزارع شبعا وكذلك كفرشوبا، وتقوم بخروقات يومية حتى أنها أنشأت شبكات تجسس داخل البقعة المتعارف عليها، باليونيفيل. هذا بحد نفسه خرق للقرار 1701. اسرائيل عندما تستطيع، ستهاجم لبنان، لكنني أؤكد أنها لن تجرؤ على هذا القرار، قرار التعدي على لبنان بسهولة، لأن التعدي على لبنان أصبح قراراً صعباً عليها. لماذا؟ - لأن حرب تموز (يوليو) برهنت أنه لا يمكنها أن تقهر شعباً لديه الإرادة للتصدي والدفاع والمقاومة. كيف طرحتم موضوع الانتهاكات الإسرائيلية والانتهاكات الأخرى التي يسميها الأمين العام للأمم المتحدة، من الجانب اللبناني أيضاً انتهاكات للقرار 1701؟ - الأممالمتحدة متفهمة موضوع لبنان ودوره وتعرف أن البادئ أظلم. اسرائيل لم تكف عن الخروقات اليومية. حتى أنها عندما تلجأ الى شبكات التجسس وتسمح لنفسها بتطويع جندي في الجيش أو ضابط، فهذا خرق كبير، أكبر من الكبير. هل من جديد عن مزارع شبعا؟ - حالياً، لا نسمع أي شيء. وترسيم الحدود مع سورية؟ - ترسيم الحدود مع سورية أمرٌ مقبول بالمبدأ، سنباشر عندما تتهيأ الفرص للجانب السوري ليكون جاهزاً. طالما وصلنا الى موضوع سورية، تعرفون أن بعض اللبنانيين يتحدث عن الموضوع اللبناني من خلال عبارة "سين -سين" ويبدو أن البعض يراهن على انفتاح أو إيجابية بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد السعودية. ما هي قراءتكم لكيفية انعكاس ذلك على لبنان؟ - أستطيع القول إنه دائماً في الاتحاد قوة. العالم أصبح منفتحاً على بعضه، فكيف على الدائرة الضيقة؟ عندما تكون العلاقات بين الدول العربية جيدة، طبعاً يتحسن الوضع في لبنان. وأنا أسعى منذ اليوم الأول لولايتي الى تقريب وجهات النظر العربية - العربية وقد نجحت الى حد كبير في ذلك، من دون أن أجعل لبنان ساحة انعكاسٍ سيئة. ولكن عليّ أن أجعل لبنان يستفيد من التقارب العربي في شكل كبير. هذه هي المعادلة. اجتمعتم مع وزير خارجية سورية، وليد المعلم، على انفراد، كما تردد. - معظم اللقاءات كانت على انفراد، ومع الوزير السوري كانت كذلك. طمنونا. - يكنّ السوريون كل المحبة للبنان، ولديهم إرادة ثابتة وصادقة بأن يدير لبنان شؤونه وينفذ الاستحقاقات السياسية والدستورية. ليست لديهم النية بالعرقلة أبداً. كما ليست لديهم النية بالتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، لأن طبيعة العلاقات بيننا وبين السوريين أصبحت مبنية على الثقة أكثر ونحن بحاجة لإثبات جدارتنا في تشكيل الحكومة. ذكرتم أن هناك بُعداً إقليمياً للوضع اللبناني، وهناك عجز عن تشكيل حكومة، ليس فقط ببعد داخلي لكن أيضاً بنفوذ خارجي. - صحيح قلت إن هناك بعداً إقليمياً، لأن مشاكل لبنان تأتت عن اضطراب الوضع الإقليمي. ألا تعتقدون أن هناك دوراً ما سورياً أو ايرانياً في الوضع اللبناني الراهن؟ - سلبياً، لا أعتقد. كيف ذلك؟ هناك عجز في تشكيل الحكومة؟ - أصعب شيء في تأليف الحكومة كان الاتفاق السياسي على حكومة الوحدة الوطنية. وهذا تم. إذاً لو أرادت هذه الدول عرقلة هذا الأمر، لكانت تدخلت لمنعه. ولكن تم الاتفاق على إطار سياسي لحكومة الشراكة أو حكومة الوحدة الوطنية، كما يتم في معظم الدول الراقية. ولكن الخلاف في لبنان أصبح على تفاصيل توزيع الحقائب والأسماء. لا أتوقع أن تتدخل الدول (الأجنبية) في هذه التفاصيل أو أنها تعلم تحديداً ما هي هذه التفاصيل وما أهميتها. أتعتقد حقاً أن هذه هي مشكلة لبنان حصراً؟ - نعم حصراً هذه هي المشكلة. لا تنسي أن لبنان لم يشكل حكومة بإرادة داخلية محضة وباستقلال تام منذ ثلاثين سنة. كانت دائماً هناك ضغوط، أو ظروف ما: إما وجود سوري، وإما حروب أهلية، وإما احتلال اسرائيلي في الماضي. إذاً عبر ثلاثين سنة تشكلت الحكومات في ظروف غير عادية. أما الآن فتُشكل بظروف عادية، من غير ضغط، من غير وجود أي تأثير داخلي في لبنان. إذاً أطلب منكم أن تعذروني على أسئلتي الآتية: وقع اللوم عليكم شخصياً في بعض الحالات عندما لم تقبلوا التوقيع على ما تقدم به الرئيس المكلف (سعد الحريري) بالقائمة، بالتشكيلة التي قدمها لكم. البعض قال إنكم لم تمارسوا صلاحياتكم، باستقلالية وصيانة لعهدكم. ما هو ردكم؟ - هل تعتقدين بأن الرئيس الحريري كان فعلاً يريد أن يوقع هذه الفكرة التي أتى بها؟ لا أعتقد ذلك. هو يريد حكومة وحدة وطنية. وهو يعلم أن للرئيس دوراً كبيراً في تأليف هذه الحكومة. أتقصد أنه بما تقدم اليكم، لم تكن حكومة وطنية؟ - كان مشروعاً تداولناه مرات عدة في الجلسات السابقة وكان المقصود أن يكون نوعاً من المسودة الناقصة وليست الكاملة، حتى أستطيع تعديلها بما يُؤمّن الوحدة الوطنية. ولكن عندما لم يتم الوصول الى نتيجة، كان من الأفضل أن يتم الاعتذار والانطلاق مجدداً بالمشاورات ووفقاً للعبة الدستورية. إنما البعض، واعذرني أيضاً على الصراحة، يقول إنك تحولت من "رئيس توافقي" الى "رئيس إرضائي". بنهاية الأمر، إرضاء المعارضة، التي خسرت في الانتخابات، بدلاً من التوفيق على أساس من فاز في الانتخابات، أي الأكثرية. - هذا الأمر ليس دقيقاً وليس صحيحاً. لدى رئيس الجمهورية واجب ولديه قناعة. من يقول تحولت؟ من يعلم قناعاتي الحقيقية؟ أنا كنت قائداً للجيش خلال عشر سنوات، وكانت السنوات الثلاث الأخيرة منها صعبة ومرحلية وأصعب بكثير من الذي يجري حالياً، وهذا لا شيء وكنت على قناعاتي واستطعت أن أُبقي البلد موحداً وهذا ما أقوم به اليوم لأنني أدرك ما معنى الوحدة الوطنية وحكومة الوحدة الوطنية، لأن هناك استحقاقات كبيرة آتية على المنطقة، ويجب أن نكون موحدين، متراصين بحكومة يقتنع بها رئيس الجمهورية أولاً والى حدٍ كبير بقية الأطراف. ألا تعتقد أن سعد الحريري جاء بمشروع حكومة وطنية بعد تعطيل جهوده لفترة 70 يوماً؟ - رغبة الرئيس الحريري هي أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية. لكن ينبغي ألاّ يكون هذا الرأي (مشروع الحكومة المقترح) هو الرأي ذاته عند الشركاء الآخرين وأهمهم رئيس الجمهورية. هل تظن أن المعارضة تريد فعلاً تسهيل مهمتك - حتى أنت كرئيس؟ التعطيل كما يبدو للكثيرين جاء من المعارضة؟ هل لا توافق على ذلك؟ - أنا لا أريد تسمية "التعطيل". لا أحب هذه التسمية. اليوم نحن جميعاً متفقون على أن قانون الانتخاب الذي تمت على أساسه الانتخابات، ليس القانون المفضل الذي يعطي التمثيل الحقيقي وأقصد هنا ب "الحقيقي" التمثيل الميثاقي الذي يشبه الدستور اللبناني، فأتت المعارضة، يطغى عليها لون مذهبي واحد، وأتت الموالاة يطغى عليها لون مذهبي واحد. وهذا هو المشكل الأساس الذي سينعكس على تشكيل الحكومة. لذلك نريد أن نلغي هذه الثغرات، أن نملأ الثغرات، لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. وعندما يصبح لدينا قانون، يلغي ما يسمى "السنّية السياسية" و "المارونية السياسية" و "الشيعية السياسية"، قانون مرتكز على قاعدة لا طائفية، قاعدة الانتخاب، عندها نستطيع أن نطبّق مبادئ الديموقراطية كما تطبّق في الغرب. الأكثرية تحكم والأقلية تراقب أو تعارض... الخ. على رغم ذلك في الغرب يتم أيضاً تشكيل حكومات تسمى "المساكنة" أو "الوحدة الوطنية". ما الخطوات التي ستتخذها الآن على أي حال؟ تشكيل الحكومة أمر عائد الى رئيس الحكومة المكلف، أليس هذا صحيحاً؟ - الى رئيس الحكومة المكلف بالتوافق مع رئيس الجمهورية. كنتما على توافق؟ - نعم، كنا على توافق ولا نزال. كنتما على توافق بأن من سميتوهم "الراسبين"، لا يحق لهم الإملاء على الناجحين في الانتخابات. هل تغير الأمر؟ - لم تُذكر كلمة "لا يحق لهم". كانت هناك وجهة نظر في هذا الموضوع تقول بمحاولة عدم توزير الراسبين. ولكن هذا ليس دستوراً. وهذا، إذا قلنا إنه عُرف، خُرق مرات عدة، لذلك الأجدر هو الالتزام بالمصلحة الوطنية. ماذا تقول للذين يرون أن هناك حاجة ماسة لحماية نتيجة الانتخابات. يعني في نهاية الأمر، الفرد اللبناني الذي صوّت، صوّت من أجل مشروعٍ ما، من أجل فكرٍة ما، من أجل خيارٍ ما، من أجل نائبٍ ما، من أجل توجهٍ ما. ما هو ردك؟ - ربما جاء جوابي في سياقِ ما قلته سابقاً. إن نتيجة الانتخابات ليست ميثاقية. نفس الأقلية ونفس الأكثرية عددياً لو جاءت ممزوجة من كل الطوائف لكانت مثالية. كان من الممكن أن نطبق ذلك. إن ثغرة هذه الانتخابات هي نفسها، كما قلت، تكمن في طغيان لون طائفي واحد على المعارضة من جهة وعلى الموالاة من الجهة الثانية، ما يجعلنا نرتكز أكثر على حكومة الوحدة الوطنية، والأكثرية هي التي اختارت الرئيس المكلف، وهذا أمر مهم جداً. لنقل، إذا أصرت المعارضة على شروط تعجيزية، هل ستبقى حريصاً على عدم تحدّيها، خوفاً؟ - لا، لا ليس كذلك. أنا لدي قناعات. ما هي؟ - الوحدة الوطنية، وهذه هي قناعاتي نفسها التي ارتكزت عليها منذ أن كنت قائداً للجيش. عندما قلت الجيش لا ينفذ إلا القرار بمقدار ما يُؤمِّن الوحدة الوطنية. عندما أصبحت هناك حكومة ناقصة، مجتزأة، وعندما أصبح هناك شغور في الرئاسة كان موقف الجيش أن القرار الصالح هو القرار الذي يؤمّن الوحدة الوطنية تأميناً أكبر. ولكن هذا المشروع تعرقل، مشروع حكومة الوحدة الوطنية. هل أنتم قطعاً ضد حكومة أقطاب أم حكومة تكنوقراط؟ - لا، لا. لم أقل ذلك. حكومة الأقطاب يمكن أن تكون حكومة وحدة وطنية، حكومة التكنوقراط يمكن أن تكون حكومة وحدة وطنية. المهم أن نتفق على حكومة وحدة وطنية. وأنا طبعاً لي دورٌ أساس في هذا الموضوع والإطار العام، أتفق عليه، ويمكن أن يُتفق على إطارٍ عام مماثل وعلى توزيع الحقائب، فالأمر ليس صعباً. ماذا يحصل إذا استمر الفراغ مدة طويلة؟ ألا يؤثر في عهدكم أنتم شخصياً؟ - التسمية ليست "عهدي"، الفراغ يؤثر في لبنان. كل ما يؤثر في اللبنانيين يؤثر في الرئيس والعكس صحيح. وما يؤثر في الحكومة، يؤثر أيضاً في اللبنانيين. السلطات الدستورية هي سلطات متكاملة، صحيح أن هناك فصلاً ما بين السلطات ولكن أعمالها تصب في هدف واحد هو الهدف الوطني. لا، لن يتأخر تشكيل الحكومة، كما تفترضين سنستطيع تشكيل حكومة، إن شاء الله، في أقرب وقت. هل مَن يفترضون أن الحكومة اللبنانية قادرة على أن تتخذ قراراً بتعطيل أو تجميد أو تحييد المحكمة الدولية، يتكلمون على شيء حقيقي، أم أن المحكمة خرجت عن سلطة أو نفوذ الحكومة اللبنانية لأنها محكمة دولية؟ - المحكمة الدولية أصبحت محكمة دولية، تصدر قراراتها بمعزل عن موضوع الحكومة. طبعاً إذا كانت قراراتها تستلزم قراراً حكومياً، فهذا عائد الى الحكومة عندها. لست متخوفاً من هذا الموضوع. من أي موضوع؟ - موضوع الإشكاليات ما بين المحكمة الدولية والحكومة. نأتي الآن الى عضوية مجلس الأمن. يبدو أن لبنان ماضٍ في هذا الترشيح كما أعلنت أمام الجمعية العامة. البعض يقول إن عضوية لبنان في مجلس الأمن تؤدي الى التوتر على الصعيد اللبناني وصعيد الحكم في لبنان. - لماذا؟ هل تستطيعين أن ترشيديني الى موضوع كبير اختلف عليه اللبنانيون. نحن في الخطوط السياسية العامة وفي السياسة الخارجية لسنا مختلفين في لبنان. قلت لك إن الخلاف أصبح على توزيع الحقائب، ولكن لم يجرِ الاختلاف على كيفية عمل الحكومة والإطار العام للحكومة الذي هو إطار الوحدة الوطنية. وقد مررنا خلال هذه السنة بأزمات كبيرة في المنطقة. أزمات غزة، أزمات الصراعات العربية، الأزمة المالية، أمور عدة حصلت في هذه الفترة واستطاع لبنان تجاوزها بموقف حكومي موحد. أعتقد أن التساؤل في ذهن هؤلاء يتعلق مثلاً بعرض قرار على مجلس الأمن في شأن ايران، ماذا يفعل لبنان؟ يصوّت مع المشكلة أم يصوت ضد المشكلة أم يمتنع عن التصويت. - لا يجوز افتراض أمور. طبعاً يتم استدراك الأمور في ذهن المسؤولين عن الشأن العام، لكن لا يمكن تقديم جواب افتراضي على سؤال افتراضي، وبحسب منهج هذه الحكومة أو الحكومة السابقة منذ أن انتخبت رئيساً للجمهورية، لم يختلف اللبنانيون على المواضيع الكبيرة. كانت الاختلافات دائماً على تفاصيل صغيرة يكمن فيها الشيطان كما يقال، لكننا متفقون على القضايا الكبيرة وسنجد دائماً القرار المناسب الذي يفيد وحدة لبنان أولاً، ويعبّر عن الموقف العربي ثانياً، ويصب في خدمة الإنسان في شكل عام. لكل أعضاء مجلس الأمن الحق في رئاسة المجلس. لو كان لك فرصة ترؤس جلسة لمجلس الأمن كما فعل الرئيس اوباما، ماذا تتمنون أن تكون هذه الجلسة؟ - الهاجس الأول للبنان هو السلام في الشرق الأوسط وعودة الحقوق الى الشعب الفلسطيني. وهذا هو لب الصراع، كما تكلمت في خطابي وهو حقيقةً رسم فكرتي في حال ترأست الجلسة. هذا هو الموضوع. ولو دخلتم مجلس الأمن من دون حكومة؟ - ممكن. هذا لا يؤثر في شيء. هناك رئيس للبلاد وهناك آليات دستورية ترعى العمل في الدول. هناك دول كبيرة وعريقة تأخّر فيها تأليف الحكومة مرات عدة. هناك جانب من العمل الحكومي يقع في حال شلل وهناك خوف من فراغ. - عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية ولا تكون هناك حكومة، وثمة أمر طارئ، يمكن استدعاء حكومة تصريف الأعمال لبحث الأمر. وبكل الأحوال، رئيس الجمهورية يحتفظ بالأداء، وفي الدستور يحتفظ بحيّز كبير من إقرار السياسة الخارجية. والجيش؟ هل يتلقى المساعدات الدولية التي تسعون وراءها؟ - الجيش يتلقى بعض المساعدات الدولية وخصوصاً من الولاياتالمتحدة، هناك كمية لا بأس بها من التجهيز الذي تقدمه الولاياتالمتحدة، ولكن يجب علينا أن نفتش عن مصادر أخرى كذلك. ماذا تعني؟ - أعني أنه يجب رصد موازنة للجيش، موازنة تجهيز سنوية. لغاية الآن لا تُرصد للجيش موازنة تجهيز سنوية. الموازنة السنوية المرصودة للجيش هي للشؤون اليومية، الرواتب والتدريب والطعام والمحروقات وأعمال الصيانة للآليات، والأبنية العسكرية التي يلزمها تأهيل وإنشاء أبنية أخرى كوننا نحن نضع اليد على بعض المباني للمواطنين ويعمل الجيش للتخلص منها تدريجاً لإعادة الحق لأصحابه. قلتم أمام الجمعية العامة إن لبنان أيضاً يخوض معركة ضد الإرهاب. - صحيح وهذا هو التحدي الأكبر للجيش اللبناني. وهو تحدٍ عالمي وتحدٍ منعاً لقيام الإرهاب ببناء قواعد داخل لبنان. نجح الجيش في هذا الأمر خصوصاً في نهر البارد. طبعاً قبل النهر البارد كذلك وبعد النهر البارد كذلك، نجح في التصدي لشبكات الإرهاب. وهنا الارادة للتصدي أقوى بكثير من السلاح المتوافر. ولكن السلاح ضروري. تعوّد الجيش اللبناني أن يتصدى للإرهاب بعنف وبقوة والشعب يساند الجيش في هذا الموضوع. وقد كانت هناك حالة، حقيقة،ً مثالية في التصدي للإرهاب، عندما استغل بعض الإرهابيين أهالي مخيم نهر البارد ليعتدوا على الجيش ويبنوا ربما إمارة معينة في تلك المنطقة. كان للجيش رد فعل فوري من دون توقف ومن دون تراجع واستطاع أن يُنهي الظاهرة في غضون 3 أشهر. كان هذا درساً لأي إرهابي يريد أن يستغل المواطنين الآمنين الفلسطينيين أو يريد أن يعتدي على الدولة اللبنانية. أراكم واثقين ولستم قلقين، كما الكثير من اللبنانيين، حيال مرحلة صعبة في لبنان سواء حرباً كانت أم اختلافاً طائفياً أم انقساماً. أراكم لستم في ذلك الصدد. - طبعاً أنا قلق ولكن لست خائفاً. القلق هو ميزة الإنسان العاقل. أن يكون قلقاً، لأنه إذا لم يكن قلقاً فلن يستطيع إيجاد الحلول لإزالة هذا القلق. أنا طبعاً قلت إنني أفتش دائماً عن حلول لإبعاد هذا القلق عن قلوب المواطنين وعقولهم. ولكنني لست خائفاً. لدي الثقة بأن لبنان عاد متعافياً. وأستطيع أن أقول إن العدد الكبير الذي زار لبنان هذه السنة من لبنانيين مغتربين، ومن اخواننا العرب ومن الأوروبيين وغيرهم، أهميته ليست بمقدار ما يدخل الى لبنان من الناحية المادية، أنا أقيس هذا بالثقة التي عبّر هؤلاء عنها بلبنان، خصوصاً اللبنانيين منهم. إنهم يريدون هذا الوطن، كما يسير الآن. وهذا سينتج مردوداً كبيراً على الوطن في هذه الفترة. لذلك أقول إن تأليف الحكومة لا يُربكني من ناحية تأخير خطوات التطور للبلد. سنتأخر في تطوير الشؤون وسنعمل على الاستفادة من هذه الثقة التي أعادها هذا النوع من الاستفتاء. كل من جاء الى لبنان هذا العام كان يقول: "أنا أريد منكم يا ساسة البلد أن تظلوا متضامنين، موحدين من غير ارتباكات". لكن الخوف عاد من التوتر الأمني بعدما غادرنا، نحن الذين ذهبنا وتمتعنا. - كان يجب أن تبقوا في لبنان. أطمئنك أننا لسنا خائفين. طبعاً دائماً يلجأ الأعداء، وأقول أعداء لأن اسرائيل عدو والإرهاب عدو أيضاً، وعندما يرون أن هناك خللاً ما، يحاولون الدخول. استطاعوا في أزمات سابقة إيجاد فتنة ولكن الآن أؤكد أنهم ربما يحاولون لكنهم لن يستطيعوا إيجاد فتنة بوجود الجيش وبوجود وعي المجموعات الوطنية الشعبية والمسؤولين السياسيين الذين تنتمي اليهم هذه الأحزاب والمجموعات. هل ولّى عهد الاغتيالات السياسية؟ - أنا أجزم أنه ولى. كانت فترة سيئة وليست عهداً.