منذ أيام، وكالعادة، تضافرت جهود الإعلام اللبناني لمتابعة حادثة محاولة قتل في مخيم عين الحلوة (جنوب لبنان)، وفي أحدى زوايا المخيم كانت مجموعة شبابية ترتجل أفكاراً وتتشارك خبرات إنسانية خلاّقة. شبّه أحد الشباب وجه أمّه بالقمر الذي يضيء دربه نحو الأبدية، بينما ذكرت شابة أنه رمز اللجوء والعودة، ووالدة مشارك ثالث يعني له «الامتداد الطبيعي لفلسطين»... تلك الأقوال والتشابيه وردت خلال ورشة عمل تدريبية حول الكتابة الإبداعية لمجموعة من الكتّاب الشباب في مخيم عين الحلوة، أدارتها الكاتبة النروجية ليز وستيراس، مؤلفة عشرات الكتب والمسرحيات، والتي تُعتبر من الداعمين للشعب الفلسطيني. والورشة هي حلقة من عشرات النشاطات والفعاليات لمبادرة «تَوَاصل» الساعية إلى اكتشاف المواهب وتطويرها في المخيمات الفلسطينية. تقول مؤسِّسة المبادرة، ريما ملحم إنها تهدف إلى «محاكاة حاجات اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، من خلال تطوير مواهب الشباب وقدراتهم باعتبارهم دعامة المستقبل»، وتضيف إن من أهداف المبادرة أيضاً «تعزيز أهمية الثقافة والتعليم، والصحة والغذاء، والعيش الكريم، والعمل، والبيئة السليمة، بمعزل عن أي تفرقة في الجنس أو العقيدة أو الدين، إضافة الى تمكين أعضاء المجتمع من المشاركة في العملية التنموية، وصقل المبادرات المحلية، وتمكينها والتعريف بها في أسواق العمل، وإشراك النساء في القضايا التنموية، الثقافية، والفنية، وتعزيز دورهن الريادي في بلورة مجتمعات مستنيرة، وتنمية قدراتهن العملية، وإشراك الشباب في البرامج التنموية والثقافية، وصولاً الى دمجهم الكامل في العملية التنموية». وشارك في ورشة العمل الأخيرة شباب من الفئة العمرية 16 - 20 سنة، وتضمّنت مقدمة عامة حول أصول الكتابة، ثم تدريبين، الأوّل يتخيل فيه الشاب نفسه شجرة في أحد أزقة المخيم، ليصف ما يجري من حوله. فكتبت «الشجرة إسراء»: «تمتد فروعي بين البيوت التي تحوّلت جزءاً من ضلوعي، أستيقظ يومياً على أصوات الأطفال الذين يستعدون للذهاب الى المدرسة، والنساء اللواتي يتناقلن الحكايا عبر النوافذ، والرجال يتبادلون أخبار السياسة بينما يرتشفون الشاي بمتعة». أما «الشجرة محمد عوض» فكتب: «كان لدي عدد من الأصدقاء، رحلوا نتيجة تمدد المساكن، هجرتني الطيور بسبب الضوضاء وأخبرتني بأنها ستبحث عن مكان آخر لتغرد فيه، أطرافي بدأت تذبل، لا يصلها الهواء ولا أشعة الشمس». التدريب الآخر كان كتابة إيحاءات عن وجه الأم، فشبّهت هبة عطواني وجه أمها بالحياة بما تحمله من سعادة وجمال وألم، أما ابراهيم موسى فوجه أمه، بالنسبة إليه، هو البوصلة التي تحدد وجهته قبل الخروج من البيت، وهديل الزعبي ترى في وجه أمها «تناقضات حياتها كالفرح والترح، الأمل والخيبة». ويقول جلال طحيبش، أحد الناشطين في المبادرة: «هناك متعة بالمشاركة في نشاطات الحملة التي أشبّهها بقاربٍ زاهٍ بالمحبة ينقلنا من شاطئ الخيبة إلى ميناء الأمل والمعرفة». أما منسق الحملة عاصف موسى فيقول إن الحملة «أسست مجموعات ذات مواهب مختلفة: أدباء شباب، رسامون، إعلاميون، مصورون، ممثلون مسرحيون... ودرّبوا، في عشرات ورش العمل التي استهدفت أكثر من 150 شاباً وشابة، بمشاركة خبراء ومدربين من جنسيات عربية مختلفة، والمبادرة تتعاون مع الكثير من الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية واللبنانية». أما الكاتبة ليز، فخرجت من ورشة الكتابة بانطباع أوجزته بأنه «لا شك في أن المواهب التي تخرج من المعاناة تكون مميزة، لكنها تحتاج إلى رعاية».