قد تدفع زيارة ما لأي معرض تشكيلي المتلقي إلى تعلق خاص من نوعه بلوحة ما. وشيئاً فشيئاً قد يطور المتلقي لذاته نسقاً خاصاً في تتبع الجمال، حتى يحيك من خلال تلك التجربة مجموعته الخاصة، في حال أصبح شغفه كافياً لبذل ما يمكن لاقتناء ما يُفتن به من أفكار تشكيلية. وقد يصحب هذا الوضع «الشرائي» سؤال بديهي للأذهان، حول ما يجعلنا ننفق تلك الأموال لشراء عمل تشكيلي، وما يجعل تلك المبالغ في تصاعد كبير خلال السنين. هي حتماً لم تنمُ من فراغ، إذ إن طمع الإنسان في اشتعال دائم ولن تسعفه أموال الدنيا لتهدئة ذلك الشغف، لحصد تلك الألوان التي قد تمثل ذاته بطريقته الخاصة. لكن إن شئنا تجريد الموضوع من كل تبعاته، سنجد أن تلك اللوحة هي ليست إلا مجرد حفنة من الألوان الرخيصة، تتكوم فوق لوحة قطنية أيضاً رخيصة لا تعادل السعر المتكهن لها بأي شكل من الأشكال. أيضاً لطالما تنامى في داخلي فضول حول الفئة المقبلة على جمع الأعمال التشكيلية في مجتمعنا السعودي بشكل خاص، ما دوافعهم وتوقعاتهم وتمنياتهم، وهل يأتي ذلك البذل المادي في سبيل الفن فقط من طبقة معينة في مجتمعنا؟ لأن الاقتناء حول العالم لم يكن يوماً قصراً على تلك الطبقة من المجتمع. لكن الدوافع هي ما تشعل بداخلي ذلك السؤال. هل دخلنا مرحلة التقدير العاطفي وحب الامتلاك فقط، أم تحولت رغبة الاقتناء لدينا إلى شكل من أشكال الاستثمار المادي لإعادة بيعه في المستقبل. لأن ذلك قطعاً يترجم مدى تقدير المجتمع للفن التشكيلي وتفاعله معه، وإسهامه في وضع قيمة أثقل للعمل على مدى سنين طويلة. أم مازلنا في مرحلة تزيين الصالونات كنوع من التباهي لا أكثر. في كل الأحوال تظل ثقافة الاقتناء للفنون كحاجة عاطفية ليست من أولويات الفرد العربي بشكل عام، ربما لاختلاف الترتيبات والتفصيلات في حياته والكم التراكمي للثقافة البصرية لديه، وماهية تقديره لذلك مازالت نوعاً ما هامشية حتى تشكل له ذلك الإلحاح بامتلاك ما يوثق الفن بشكل خاص للفرد. لكن على سبيل المثال، سُئل سيمون دو بوري أحد أهم مقتني الفن في العالم، عما قد تكون طبيعة أسباب شغفه بالاقتناء الفني، ليفسر ذلك بتماهي الفن بالنسبة إليه مع الموسيقى الحديثة التي تعتبر تفضيلاً شخصياً له، وإنه يكاد يرى موسيقى الهيب هوب والروك مثلاً من خلال الأعمال التي يقتنيها لتاكاشي موراكامي أو جيف كوونز. ذلك الانسجام والشبه الذي ربما يترجم شيئاً ما بنفسه ويحرص على امتلاكه، وكأنه يحتفظ بشكل الموسيقى بكيان مادي وحقيقي مثلاً في مكانٍ مألوف. قطعاً يمكننا أن نقول إن جمع الفن هو فن آخر بحد ذاته. ويأخذ أشكالاً وأوجهاً عدة باختلاف الدوافع والحوافز حتى في كون الإقبال فردياً أو مؤسساتياً، لتباين أسباب وشكل المجموعة المستهدفة. الشبه الوحيد قد يتشكل في أن يكون الدافع هو الالتزام واللحاق بذلك الشغف، الذي يقتضي ذلك النوع من الإصرار لبناء مجموعة تعكس أفكاراً معينة، يؤمن بها الفرد، وآراء تترجم عنه مشاعر ما. كأن يرى الإنسان ذاته تسرد أمامه بطريقة فنية. * تشكيلية سعودية.