في خلال شهر ونصف الشهر تقريباً واجه التشكيليون خبري إغلاق لصالتي فنون تشكيلية، إحداهما في الدوحة «كتارا جاليري» والأخرى في الكويت «تلال جاليري». وجاء السبب بصيغة واحدة صادمة بعض الشيء، كونهما في دول ذات رخاء معيشي مثل الكويت وقطر، ألا وهو «عجز مادي». لن أخوض في تفاصيل الموضوع ولن أقترح أية خطة بديلة، أو جدل عن مسؤولية من لمواجهة المصاعب التجارية في إدارة المعارض، لأن تشخيص الحال في كونها نوع من «التجارة» ما يجعلني أتواجه مع همي التشكيلي في هذه المساحة. تغرق هذه الصالات في عجزها، الذي يجدف بها بعيداً عن مرحلة اكتمال الحلم، لتكون صالة صناعة فنيه تشكيلية من الطراز الأول، وربما رائدة في الحركة التشكيلية. ربما تبدو نظرتي للموضوع حالمة بعض الشيء، وبكل تأكيد لن يغير هذا الاحتجاج من حقيقة نظرتنا لتقدير الشيء بالطريقة المادية، التي أسسها قانون التعايش البشري. لكن هل من طريقة أخرى لتقدير الفن؟ عوضاً عن إعطاء رزمة الأرقام المالية، نعيش في زمن يكاد فيه الإنسان أن يقوّم كل شيء حوله بهذه الأوراق المالية. ماذا لو جرّبنا تكوين لجنة لحصد أو رصد أصوات المهتمين مثلاً، لإدراج الأعمال التي لاقت إجماع الإعجاب كمادة تدرس؟ أو حتى إرسال تلك الأعمال للمدارس كنوع من البناء الثقافي الجمالي لعقول الجيل الصاعد. لما لا ترفع التكاليف عن صناع الفن وبيت الفن بشكل عام؟ أم ما زلنا نرى الفن بأنه حال ترف لا أكثر، لذا وجب التعامل معها بمادية كأي شيء آخر في هذا العالم. تعبير المتلقي عن حبه لما هو معروض من أعمال فنية، يحتكم إلى المادية. وفي رأيي يحتاج هذا الأمر إلى إعادة نظر. فتحول تلك القوة التجارية التي باتت تقف أعلى الهرم لتسيطر على ما يجب عرضه، ينزع الجوهر الحقيقي لمعنى الفن في حياة الإنسان. تلك المنظومة «التجارية» حولت الفنان إلى مقاول يبيع ما يظنه حقيقياً، بحسب العقد المبرم مع الجاليري الذي يحكمه أو بحسب طلب «السوق»، والذي أقنعه بما يجب أن يقدم للجمهور وبذلك يتحول هو لمشروع الدجاجة التي تبيض ذهباً. يدفع ذلك معظم صالات التشكيلي إلى هذه الحال من الترصد للفرص المادية، عوضاً عن خلق هوية خاصة لما تقدمه للتاريخ والعالم التشكيلي أجمع. كل ذلك يخنق الفنان ويربك صاحب المعرض، الذي يرفض أن يتنازل عن حقوقه المادية. وعلى رغم كل ذلك، ما زلت محتارة حول وضع جاليري «التراث العربي» في مدينة الخبر، والذي يبدو أنه منتعش مادياً بما أنه ما زال قائماً ومشرعاً أبوابه حتى يومنا هذا. لكن الأغرب أنه في حال ركود، بل متعطل فنياً، إذ لم يتمكن من مواكبة «التشكيل السعودي المعاصر»، ولم ينهض بمجتمع تشكيلي خاص به على رغم كل التغيرات من حوله. * كاتبة وتشكيلية سعودية.