لحظات تاريخية عاشتها الولاياتالمتحدة فجر امس، مع فوز الرئيس الديموقراطي باراك أوباما بولاية ثانية، محصّناً بتحالف شعبي عكس صورة «أميركا الجديدة»، وهيأ ل «تخطي زمن الحرب» ومواجهة تحديات داخلية كبيرة خلال السنوات الأربع المقبلة، اهمها إقرار قوانين الهجرة ومعالجة ازمة الدَيْن. وخارجياً طوت النتائج صفحة «المحافظين الجدد» الذين برزوا في حملة منافسه الجمهوري ميت رومني، ما يمهد لإيجاد حلول «براغماتية» في الشرق الأوسط قد تأتي على شكل «صفقة كبيرة» مع ايران، واستعجال إنهاء الأزمة السورية. ووسط ترحيب عالمي بإعادة انتخاب الرئيس الاميركي، هنأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وولي العهد الأمير سلمان أوباما، اذ بعثا ببرقيتي تهنئة ورد فيها: «يطيب لنا بمناسبة انتخابكم رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية، أن نبعث لفخامتكم باسم شعب المملكة العربية السعودية وحكومتها وباسمنا، أجمل التهاني وأطيب التمنيات بموفور الصحة والسعادة، ولشعب الولاياتالمتحدة الصديق التقدم والازدهار». وافادت وكالة الأنباء الرسمية السعودية (واس) بأن خادم الحرمين أشاد ب»متانة العلاقات التاريخية الوثيقة بين بلدينا الصديقين، والتي نحرص على تطويرها وتنميتها في المجالات كافة». وكان لافتاً تذكير طهران بعد ساعات على اعلان النتائج ب «الجرائم» التي ارتكبتها إدارة أوباما في حق الايرانيين. لكنها اعتبرت أن «التفاوض مع أميركا ليس محرماً»، مبدية استعدادها لحوار مع واشنطن ولو «في قعر جهنم»، إذا خدم ذلك مصلحتها. وتقدم أوباما بنسبة 50,3 في المئة على رومني في التصويت الشعبي، وحصد نحو 332 كلية انتخابية بعد احصاء ولاية فلوريدا، ما جعله اول رئيس يفوز بهذا الهامش في ولايته الثانية منذ الجمهوري رونالد ريغان (1986) وقبله الديموقراطي فرانكلين روزفيلت (1943). واستند الفوز الى التحالف الواسع للديموقراطيين المبني تحديداً على أصوات الأقليات والشبان والنساء، اذ كسب اوباما 71 في المئة من اصوات اللاتين، و55 في المئة من أصوات النساء، و60 في المئة من أصوات الشباب، و93 في المئة من أصوات الأفارقة الأميركيين، و39 في المئة من أصوات البيض. ويعتبر شكل هذا التحالف سابقة في الولاياتالمتحدة، ويعكس التحولات الديموغرافية الكبيرة في مجتمعها، بعيداَ من الطابع الانغلوساكسوني، نحو نسيج أكثر اختلاطاً وتنوعاً في ولايات الشرق (فرجينيا وفلوريدا) والغرب (كولورادو ونيفادا وكاليفورنيا). كما كسب الرئيس 70 في المئة من اصوات اليهود، رغم مزايدات الجمهوريين بالحديث عن سياسته «الفاترة» تجاه اسرائيل، وعلاقته المتشنجة مع رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو الذي استقبل رومني بحفاوة هذا الصيف. وسارع نتانياهو، بعد اعلان فوز أوباما، الى لقاء السفير الاميركي في تل ابيب دان شابيرو، وابلغه تطلعه الى العمل مع أوباما «لتعزيز العلاقة الأمنية المتينة، وتطوير أهدافنا في السلام والامن». واعتبر أن «الحلف الاستراتيجي بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، أقوى من أي وقت مضى». لكن ذلك لم يحجب قلقاً في اسرائيل من «ثمن» قد يدفعه نتانياهو، عكسه قول نائبه إيلي يشاي إن فوز الرئيس الديموقراطي الأميركي لا يشكّل «صباحاً جيداً بالنسبة الى نتانياهو». اما القيادة الفلسطينية فأكدت انها «تنفست الصعداء» بفوز أوباما، لأن «رومني يتبع سياسة ولاء أعمى لإسرائيل». وفي خطاب الفوز الذي القاه امام مئات الآلاف من انصاره في شيكاغو، رسم أوباما رؤيته للولاية الثانية قائلاً «لا نريد ان يعيش أولادنا حياة مثقلة بالديون ومهددة بعدم المساواة، بل نريد منحهم بلداً آمناً ومحترماً ينظر اليه العالم باعجاب. كما لا نريد أمة يدافع عنها أقوى جيش عرفه العالم فحسب، بل أيضاَ أمة تخطو بثقة بعيداً من زمن الحرب لرسم وعد الحرية والكرامة لكل انسان». وحدد أوباما معالجة قضايا الهجرة والعجز والاصلاح الضريبي وتخفيف الاعتماد على النفط أهدافاً في ولايته الثانية. وسيساند مهمته حفاظ الديموقراطيين على الغالبية في مجلس الشيوخ. ومن أهم الأسماء الديموقراطية الفائزة السناتور أليزابيت وارن عن ولاية ماساشوستس، حيث استعاد الديموقراطيون مقعد آل كينيدي، والسناتور تيم كاين (فرجينيا) وتامي بولدوين، أول سناتور مثلية في الكونغرس. وكسب الديموقراطيون مقاعد أخرى في ولايات نورث داكوتا وانديانا وميسوري رغم خسارة أوباما فيها. وفي مجلس النواب، استمرت سيطرة الجمهوريين ب 232 مقعداً في مقابل 187 للديموقراطيين. لكن الديموقراطي باتريك مارفي هزم النائب اليميني المناهض للمسلمين آلن ويست في فلوريدا، فيما باتت ماغي حسن أول ديموقراطية أميركية تفوز بمنصب حاكمية ولاية نيو هامبشير وكانت عرضة أيضا لحملة من المناهضين للمسلمين. خارجياً، تعزز عودة أوباما الى البيت الأبيض، مكانته على الساحة الدولية، وتمنحه وقتاً للتركيز على تحديات شرق أوسطية بارزة أهمها ايران وسورية. وتوقع المسؤول والمفاوض السابق دنيس روس تقديم أوباما «عرضاً ديبلوماسياً ضخماً» لإيران «كورقة أخيرة» لحل ازمة ملفها النووي. وعلى صعيد الأزمة السورية، يتوقع أن تكثف واشنطن جهودها لتنظيم صفوف المعارضة تمهيداً لاستعجال الحل، ومنع اتساع الأزمة اقليمياً.