يطيب للإعلام الهولندي أحياناً، أن يقارن، وفي سياق تغطياته الإخبارية العالمية، بين البلد الذي يدور عنه الخبر وبين هولندا، بخاصة لجهة المساحة الجغرافية، وكأن هذه المقارنة مهمة كثيراً للمشاهد الهولندي لفهم أكبر للحدث، هو الذي تشغله المساحة الجغرافية المحدودة، منذ مئات السنين. وينقل الإعلام الهولندي في شكل منتظم صدى الأحداث المحلية الهولندية في إعلام الدول الأجنبية، بخاصة أخبار النجاح الاقتصادي، من هنا كان اهتمام هذا الإعلام مضاعفاً بالبرنامج التلفزيوني الجديد «صنع في هولندا» الذي تعرضه النسخة الأوروبية من قناة «ناشيونال جيوغرافيك»، مركزاً على النجاحات الهولندية في مجالات، ومشيراً أحياناً إلى خصوصية قصة النجاح تلك في بلد ذي مساحة جغرافية محدودة جداً، وواجه تحديات طبيعية، شغلت أهله لقرون طويلة ولا تزال. ينقسم البرنامج إلى خمس حلقات تهتم كل منها بقصة نجاح هولندي لافتة، بعضها معروف عالمياً مثل تصدر هولندا لدول العالم بإنتاج الزهور وبيعها، وبعضها مجهول لكثر، مثل مكانة هولندا ضمن الدول التي تُنتج الأفكار التلفزيونية وبيعها دولياً، إذ يحل «البلد الصغير» في المركز الثالث عالمياً، بعد الولاياتالمتحدة وبريطانيا. فيما تولي الحلقات الأخرى اهتماماً لنجاحات هولندا في هندسة السدود المالية والسيطرة على المياه وتنظيم انسيابها وتصميم الأثاث وتنظيم حفلات الموسيقى والرقص في دول العالم الغربي. ولأن البرنامج يروي قصص نجاح هولندا حول العالم، ترافق كل حلقة هولنديين يجوبون دولاً عدة في أعمالهم العادية، جنباً إلى جنب مع مشاهد صورت في هولندا، قدمت خلفيات تاريخية عن قصص النجاح تلك. ونتعرف في حلقة السيطرة على المياه، إلى مهندس هولندي استعانت به بلدية العاصمة الإندونيسية جاكارتا للمساعدة في إنقاذ أحياء كبيرة من المدينة معرضة للغرق في المستقبل القريب. كما ستأخذنا الحلقة تلك في رحلة في هولندا للتعرف إلى تاريخها وصراعها المستمر مع عدوها الكبير «المياه». فالبلد الواقع تحت خط البحر، عرف الويلات من مياه البحر التي كانت تغرقه كل بضعة عقود، قبل أن يتجه إلى حل المشكلة في شكل جذري بإنشائه سدوداً مائية تعد اليوم الأكثر أماناً في العالم، ما أهّل بعض مهندسيه ليكونوا الأفضل دولياً، وليتوزعوا في دول عدة، من الولاياتالمتحدة إلى مدينة دبي في الشرق الأوسط. نجاح تلفزيوني تشهد حلقة «النجاح التلفزيوني» ولادة مشروع تلفزيوني هولندي جديد، فهي ترافق تحضيرات شركة إنتاج هولندية صغيرة لعرض حلقة تجريبية من برنامج تلفزيوني موسيقي في تجمع «MIPTV» التلفزيوني الشهير في مدينة كان الفرنسية، إذ تثير النجاحات الهولندية في ابتكار وبيع البرامج التلفزيونية حول العالم، رغبة منتجي قنوات تلفزيونية في التعرف إلى الفكرة الجديدة، وشراء حقوقها (اشترى منتجون من إسبانيا والسويد حقوق إنتاج نسخ محلية من الفكرة الجديدة)، والتي ربما تنضم إلى مجموعة البرامج التلفزيونية الهولندية الناجحة حول العالم. وللتذكير فإن برنامج «الصوت» (ذي فويس) الذي انتجته شركة «تالبا» الهولندية قبل عامين يعرض اليوم في مئة وستين بلداً حول العالم، في حين شرّع برنامج «الأخ الأكبر» الهولندي الذي عرض في نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين الطريق لموجة برامج تلفزيون الواقع. النجاح الذي يقدمه برنامج «صنع في هولندا» لا يبدو هيناً، ولا يأتي هكذا من دون تخطيط أو تعب.فالحلقات تظهر اهتمام الشخصيات التي ركزت عليها بالتفاصيل الدقيقة والتخطيط المسبق الطويل لأي خطوة، وحتى عندما يسافر هولنديون حول العالم، يتمسكون بتلك التقاليد المهنية الصارمة التي تعلموها وتدربوا عليها في بلدهم، فهي تبدو الوحيدة التي يمكن الوثوق بها في كل البلاد التي يصلون إليها بمنتجاتهم وخبراتهم.