يتواصل تدفق الأموال «السياسية» من بعض دول العالم، ومنها دول في الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية إلى سويسرا، فيما تنسحب منها تدريجاً رؤوس الأموال الأوروبية. ويشير خبراء إلى وجود علاقة منطقية بين هروب رؤوس الأموال هذه، وتردي أحوال الموظفين العاملين في القطاع المالي. فالمصارف المتوسطة بدأت تلجأ إلى خطط دفاعية لتقليص عدد موظفيها نتيجة تراجع حركة تدفق الأموال إلى خزائنها، وبالتالي تآكل عائداتها. ويعتبر كانتون تيتشينو، الموجود جغرافياً في أقصى الجنوب السويسري، الأكثر تأثراً بهروب رؤوس الأموال الأوروبية، لا سيما الإيطالية منها. وتعتبر حركة المصارف الصغيرة داخل هذا الكانتون أوفر حظاً من نظيراتها الأكبر لناحية استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، موقتاً. فإلى جانب توفير حسابات مصرفية مشفرة، تعمل هذه المصارف الصغيرة على تأجير خزنات صغيرة. في الأوضاع الطبيعية، كان تدفق رؤوس الأموال إلى هذه المصارف يدر عائدات يبلغ المعدل الإجمالي لقيمتها 1.5 بليون فرنك (1.65 بليون دولار) سنوياً. وسرعان ما قفزت هذه القيمة إلى 2.7 بليون فرنك في السنوات الأربع الأخيرة. لكن، مع انفتاح ثغرة هروب الأموال الأجنبية، خصوصاً الأوروبية، تتحرك هذه المصارف إلى تسريح أكثر من 30 في المئة من موظفيها، حتى نهاية العام المقبل تبعاً للمستجدات الطارئة. يُذكر أن نحو 1200 وظيفة ألغيت في الأسواق المصرفية السويسرية منذ عام 2011. صحيح أن سويسرا تحظى بقطاع مصرفي قوي وآمن لمئات بلايين الدولارات الآتية من الخارج، إلا أن الضغوط الضريبية ذات الطابع السياسي الدولي بدأت تترك جرحاً في قلب هذه المصارف. ويفيد محللون في المرصد الاقتصادي في جامعة لوزان، بأن المصارف الكبرى مثل «يو بي أس» و «كريديه سويس»، ستتبنى «إستراتيجية المال النظيف» تحت الضغوط الدولية، والتي تقضي بدعوة الزبائن إلى قوننة أموالهم أمام حكوماتهم. ومع ذلك، لا تبشر الأوضاع الوظيفية في المصارف السويسرية الصغيرة، بالخير إذ يُتوقع أن يقفل أكثر من 25 في المئة منها أبوابه في السنوات الخمس المقبلة. صحيح أن جزءاً من رجال الأعمال الأوروبيين نجحوا في تسوية أوضاع رؤوس أموالهم الهاربة مع حكوماتهم، لكن الجزء الآخر لم ينجح في ذلك، ما جعله يفر بأمواله إلى دول أخرى كباناما وأنتيغوا وجزر باهاماس، حيث يُتوقع أن يتحرك رجال الأعمال السويسريون لتأسيس مصارف صغيرة هناك.