تتراجع قيمة الأموال المودعة سراً وغير المصرّح عنها للجهات الرسمية، في المصارف السويسرية في شكل لافت. ويعتبر خبراء مال حكوميون، أن هذه الأموال تُصنّف «سوداء» أي أنها مجهولة المصدر ومعظمها يتدفق من الخارج. ووصلت القيمة الإجمالية لأموال رجال الأعمال الأجانب المودعة في المصارف السويسرية، إلى 200 بليون فرنك سويسري فقط، علماً أن هذه القيمة كانت بلغت قبل خمس سنوات 800 بليون. ويربط خبراء مصرفيون تراجع حركة الأموال «السوداء»، بالهزة القوية التي تعرضت لها السرية المصرفية السويسرية، التي جعلت من البلاد ملاذاً ضريبياً بامتياز لسنوات طويلة. لكن طرأت بعض التغييرات على سلوكيات المصارف السويسرية منذ عام 2008، والتي بدأت تستقبل بفضل تسهيلات استثنائية أقرّت إداراتها بها، أموال الأميركيين الذين يريدون التهرب من دفع الضرائب في بلدهم والذين اختاروا الى جانب سويسرا، دولاً أوروبية أخرى. ولا يجب إغفال عودة قسم من هذه الأموال إلى الوطن الأم في مقابل الحصول على ضمانات بعدم مسّها. كما لا يمكن التحدث عن الضمانات «شبه المعدومة» التي يمكن أن يحصل عليها الأغنياء الأميركيون. فيما سيحصل الأثرياء الأوروبيون مثل الإيطاليين والفرنسيين الذين قرروا سحب أموالهم من خزائن المصارف السويسرية، من حكوماتهم على تسهيلات لإعادة أموالهم من دون خضوعهم شخصياً لعواقب جنائية وضريبية. ويقدر محللون القيمة الإجمالية للأموال التي عادت إلى أوطان المودعين، بنحو 350 بليون فرنك سويسري. ولا يستبعدون خروج 70 بليوناً إضافية من خزائن المصارف السويسرية إلى وجهات خارجية حتى نهاية السنة. وعلى المدى المتوسط، يُتوقع أن تصبح سويسرا خلف بعض الدول الآسيوية، في مقدمها هونغ كونغ وسنغافورة، في استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية. لكن مع ذلك، يرجح خبراء انقلاب الأمور في الأعوام المقبلة لمصلحة المصارف السويسرية، على رغم الحروب الضريبية بينها وبين دول أخرى، بهدف منع أغنياء الأخيرة من إيداع أموالهم في المصارف المحلية. ويفيد إحصائيون في قسم الاقتصاد في جامعة برن، بأن الأموال الأجنبية في سويسرا، ستنمو بنسبة 5 في المئة سنوياً بدءاً من عام 2017. إذ بعد ثورة «الربيع العربي» التي شهدت تدفقاً ضخماً للأموال العربية إلى سويسرا هرباً من الظروف الأمنية والاقتصادية، ليس مستبعداً أن تستفيد المصارف السويسرية من ثورة «الربيع الروسي»، بحصول موجة هروب جماعية للأغنياء الروس إلى القارة القديمة هرباً من الضيقة الواسعة النطاق التي تشهدها بلادهم، نتيجة العقوبات الدولية عليها. وكان عدد المصارف المحلية عام 2008، والتي كانت تقدم كل الخدمات للأثرياء الأجانب، 185 مصرفاً، لكن تراجع العدد إلى 151 حالياً. ويُتوقع أن ينخفض أكثر، بنسبة تتراوح بين 20 و25 في المئة في السنوات المقبلة.