هناك من يقول إن رجال الأعمال السوريين ليسوا في موقع صنع القرار، ولا يمكنهم أن يحددوا مصير البلاد على الصعيد السياسي، والقول صحيح بدرجة كبيرة. لكنني متأكد من قدرتهم على لعب دور أساسي في إعادة إعمار البلاد وفي مجالات واسعة تخدم السوريين بعد الدمار. لذلك يجب أن يكونوا حاضرين وممثلين في أي عملية انتقالية نحو سورية المستقبل. كثيراً ما يسيطر على تفكيري السؤال: أين يسير السوريون، وإلى أين تسير سورية؟ أعترف أن الإجابة باتت صعبة جداً، على رغم بساطة السؤال، فالأحلام والتمنيات شيء والواقع شيء آخر ومختلف تماماً. وفق دراسات «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا» (إسكوا) تراجع نمو الناتج المحلي في سورية 28 في المئة في 2012، و17 في المئة في 2013، في حين بلغت نسبة التضخم 90 في المئة خلال العامين المذكورين. كما تراجعت الصادرات بنسبة 95 في المئة والواردات بنسبة 93 في المئة بين عامي 2010 و2013. وعلى رغم المدلولات الكارثية لهذه المؤشرات، فقد انخفض التحصيل الضريبي في العام الماضي حوالى 34 في المئة مقارنة بعام 2010، بحسب أرقام الدراسة نفسها، ليرسم صورة شديدة القتامة للاقتصاد السوري. ووفق «إسكوا»، فإن الخسائر الإجمالية للخراب الذي أصاب الاقتصاد السوري بلغت 139.7 بليون دولار، حصة القطاع الخاص منها 69.1 بليون دولار، أو ما يعادل 69 في المئة مقابل 31 في المئة للقطاع العام. وتكبد قطاع البناء خسائر قيمتها 29 بليون دولار وطاولت هذه التداعيات الكارثية 11.276 مليون شخص، أي 50 في المئة من إجمالي السكان تقريباً، بينهم 32 في المئة في حلب وحدها، و20 في المئة في ريف دمشق و12 في المئة في حمص. وبلغ عدد المساكن المتضررة جزئياً أو كلياً حوالى مليوني مسكن، وهناك تقديرات أخرى تتحدث عن ملايين من المساكن التي تؤوي العائلات السورية وليس مليونين فقط. ماذا تعني هذه الأرقام؟ المؤشرات السابقة التي عرضتها دراسة لجنة دولية تتمتع بالصدقية والحياد مثل «إسكوا»، تعني ان السوريين أمام كارثة كبرى وغير مسبوقة في التاريخ الإنساني. وعلى رغم عظم الخراب الذي حل بالاقتصاد فإن إعادة بناء الحجارة والمؤسسات التي طاولها الخراب أسهل بكثير من مداواة جراح الناس وما لحق بهم، لأنها تحتاج إلى زمن طويل وجهد كبير وخبراء ينشطون عودة الروح والتفاهم بين أبناء البلد الواحد ويعلّونها فوق أي اعتبار آخر. وأكاد أجزم إنه في حال غياب الاتفاق الجماعي بين رجال الأعمال السوريين، من مختلف وجهات نظر والتوجهات، حول المشاركة القوية في إعادة بناء سورية ودعم أبنائها للنهوض من جديد من تحت ركام المنازل المهدمة ومن تحت ركام أحزانهم وقهرهم، فإن الخسائر ستتضاعف وستطول الأزمة، وتصبح الكارثة كارثتين: كارثة نراها أمام أعيننا تؤكدها علمياً أرقام إسكوا، وكارثة «عدم مد اليد» من السوريين المقتدرين لانتشال الأحلام المتبقية ودفعها للبقاء والنمو. هناك كثير من رجال الأعمال السوريين الذين يساهمون في دعم اللاجئين السوريين، من تقديم رغيف الخبز وعلبة مياه الشرب حتى الثياب والكتب المدرسية، وهذا أقل ما يمكن أن يقوموا به كواجب وطني تجاه أبناء بلدهم. لكن، وأشدد هنا على لكن، ماذا عن المستقبل؟ ما هي خططهم؟ هنا تبرز ضرورة البحث على إيجاد قواسم للتفاهم بين العدد الأكبر من رجال الأعمال السوريين على المساهمة في إعادة إعمار سورية بعد إنتهاء الأزمة، فهذه في نظري الخطوة الأولى للمساهمة في إعادة إحياء الاقتصاد الجريح، ومساعدة الشباب السوريين من مختلف الاتجاهات، والوقوف إلى جانب العائلات التي لم يعد لها من معيل. ومهما بلغ التشاؤم وسيطرت النظرة السوداوية تجاه المستقبل فإن الأزمة السورية ستنتهي يوماً ما. وهذا أملنا وحلمنا، وسيحقق الشعب السوري ما يتمناه ويحلم به. وفي تلك اللحظة لن تكون هناك نهاية فعلية وواقعية للأزمة إذا لم توجد خطة اقتصادية واضحة تقول لنا شيئاً واضحاً عن المستقبل، وهنا تحديداً يجب أن تكون لرجال الأعمال السوريين المشاركة الكبرى. * رجل أعمال سوري