يقف الاقتصاد السوري على شفا الانهيار بعد نحو عامين على اندلاع الاحتجاجات والقتال فقد قدر خبراء حجم الخسائر بنحو 80 مليار دولار. وحذرت تقارير من أنه يستحيل تسديد هذه الفاتورة الثقيلة، وأن «الوضع الاقتصادي في سورية يمزقها وقد يصل إلى نقطة يصعب فيها الإصلاح في حال استمر القتال لعاميين إضافيين». وينذر انهيار الاقتصاد بتفتت وانهيار الدولة السورية.كبير الاقتصاديين في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) التابعة للأمم المتحدة عبدالله الدردري كشف أخيرا في لقاء مع وكالة «رويترز»، أن الاقتصاد السوري تقلص بما بين 35 و40 في المائة خلال العامين الماضيين. وأشار إلى أن البطالة ارتفعت من نحو 8.3 في المائة قبل الأزمة إلى نحو ثلث القوى العاملة حاليا. وأكد الدردري أن الاحتياط الاستراتيجي الذي كان قبل الأزمة «تبخر» بما في ذلك الاحتياط الضخم من العملات لأجنبية.الدردري، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية لست سنوات، حذر من أن الحكومة «ستصبح قريباً عاجزة عن دفع رواتب موظفي الدولة، وتنفيذ برنامج وطني لإعادة الإعمار». وأوضح الخبير الاقتصادي من أن كل مؤشرات الاقتصاد السوري تشير إلى اقتراب الكارثة، بعدما كان الدين العام الخارجي والداخلي منخفضا، وعجز الموازنة بسيطا لا يتجاوز (1.7) في المائة من الناتج الإجمالي، والميزان التجاري سليما حتى بعد استثناء النفط. الدردري توقع أن تعجز الحكومة السورية عن «تمويل المدفوعات الجارية (الرواتب والأجور) بكاملها في حال استمرت الأزمة بعد هذه السنة» وأنه إذا استمرت الأزمة حتى عام 2015 «فستصل نسبة البطالة إلى 58 في المائة، ما يعني غياب فرص العمل، بينما ستصل نسبة السوريين الذين يعيشون في فقر مدقع، أي بأقل من 1.25 دولار يومياً، إلى 44 في المائة مقارنة ب 12 في المائة قبل الأزمة. وقدر خبراء خسائر سورية في السنة الأولى من الأزمة بنحو 30 مليار دولار، ومع اتساع رقعة القتال إلى أماكن الانتاج الزراعي والصناعي الرئيسة في البلاد، وحالة الفلتان الأمني تضاعفت الخسائر في العام الثاني. وقبل الأزمة كانت سورية تصنف من ضمن أفضل الاقتصادات العربية المكتفية ذاتيا، وبمؤشرات اقتصادية معقولة رغم استشراء الفساد الإداري فيها. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي، حسب بيانات العام 2010، نحو 60 مليار دولار بالأسعار الجارية. ونما الاقتصاد السوري قبل الأزمة بمعدلات تجاوزت 6 في المئة سنوياً. ومن الميزات المهمة تنوع موارد الاقتصاد السوري ومصادر دخله مابين الصناعة والزراعة والسياحة والنفط. واستطاعت سورية جمع احتياطات من النقد الأجنبي تقدر بأكثر من 20 مليار دولار. وبدأت مؤشرات الأزمة الاقتصادية مع هجرة رؤوس الأموال مع الأشهر الأولى ونقل الحسابات المصرفية للمواطنين السوريين إلى لبنان وتركيا والأردن فقد قدرت صحيفة «إيكونوميست» حجم المبالغ المهربة حتى نهاية شهر مايو/ أيار 2011 بنحو 30 مليار دولار. وأصاب الركود القطاع السياحي الذي زود سورية في العام 2010 بنحو 8 مليارات دولار، وشيئا فشيئا ألغيت الحجوزات الفندقية وبدأت الفنادق والشركات السياحية بتسريح موظفيها، وطاول الضرر القطاعات المعتمدة على السياحة مثل المطاعم، والنقل، وصناعات الحرف اليدوية، وغيرها.وتكبد القطاع الزراعي خسائر فادحة بسبب انعدام حالة الأمن، ونقص البذور والأسمدة، وارتفاع أسعار المحروقات، وصعوبة زرع المحاصيل وجنيها. ووفقا لتقديرات منظمة الأغذية الدولية فقد هوى محصول القمح والشعير عام 2012 إلى مليوني طن مقارنة بنحو 5 ملايين طن في العام 2011. وفي الأيام الأخيرة أقرت الحكومة أنها تستورد نحو 500 طن من القمح يوميا. ومع انتقال الأزمة من الاحتجاجات السلمية إلى المواجهات المسلحة تراجع الانتاج الصناعي في شكل واضح، وتعطلت دورة الانتاج والتسويق في أماكن مهمة من الأرياف السورية. وشكل دخول حلب على خط المواجهات نقطة تحول مهمة نظرا للدور الكبير للمحافظة في الانتاج الصناعي. وتشير تقديرات صدرت منذ نحو شهرين إلى أن الأضرار في حلب تجاوزت (2.5) مليار دولار، دون احتساب الخسائر الناجمة عن تخريب مئات المنشآت الصناعية. وبسبب تراجع التصدير، وانعدام الموارد من السياحة، وتوقف تصدير النفط تهاوى سعر صرف الليرة السورية لتصل إلى أقل من نصف قيمتها مقارنة ببداية الأزمة. وعمق التخبط من قبل مصرف سورية المركزي المشكلة فقد صرف الكثير من الاحتياطات النقدية لدعم الليرة السورية بطرق استفاد منها تجار الأزمات. ومن الواضح أن الحكومة سوف تكون عاجزة في المستقبل القريب عن دعم الليرة التي استقر سعر صرفها طويلا ما ينذر بموجة جديدة من الغلاء وتآكل مدخرات السكان، وزيادة «الدولرة» ما يعني انخفاضا مستمرا في سعر العملة الوطنية.ويتوقع خبراء ان يصل عجز الموازنة في العام 2013 إلى نحو 10 مليارات دولار، أي نصف الموازنة المقدرة بنحو 20 مليار دولار. وسوف تضطر الحكومة السورية إلى الإستدانة أو انتظار منح خارجية من أجل تعويض العجز الناتج عن اضطرارها إلى زيادة دعم السلع الأساسية بنحو الربع، وزيادة الرواتب للتخفيف من آثار الغلاء على الموظفين. ومع انعدام أي موارد من التصدير الزراعي أو الصناعي والنفط فإن معدل العجز في الموازنة سوف يرتفع عشرة أضعاف إلى 17 في المائة من الناتج المحلي الأجمالي بعدما استقر هذا المؤشر في العام 2010 عند (1,7) في المائة. ومع طول الأزمة وتضاؤل الآمال بالتوصل إلى حلول سريعة نقل كثير من رجال الأعمال السوريين استثماراتهم إلى الخارج. وبالعودة إلى تصريحات الدردري الأخيرة فإن الخبير يرى أنه في حال انهاء الأزمة اليوم «فهناك فرصة لإعادة الاعمار بمستويات مقبولة من الدين الداخلي والخارجي رغم الدمار الهائل»، لكن تقريره يدق نواقيس خطر من أن «الوضع الاقتصادي وحده كفيل بتفتيت سورية إن استمر» لأن الأزمة ترمي بملايين السوريين في أعماق الفقر .