لو انتهت الأزمة السورية اليوم، فإن البلاد تحتاج إلى 160 بليون دولار أميركي وعشر سنوات كي تعود إلى ما كانت عليه في العام 2010. أما الآن، فإن الأرقام تشير إلى اقتراب «الصوملة» من سورية وإصابتها ب «نكبة»، إذ إن أربعة ملايين شخص «مهددون بالمجاعة» مع تحذيرات دولية من أن الموجات الجديدة من اللجوء والنزوح لن تكون لأسباب أمنية أو سياسية فقط، بل ستتجاوزها للبحث عن لقمة العيش. إذ عبر يومياً في الفترة السابقة ستة آلاف شخص إلى خارج البلاد. وفيما تتركز الأنظار على نحو 120 ألف قتيل سقطوا في الصراع المباشر وعلى رقم مماثل من المعتقلين، فقد أودى «القتل الصامت» بحياة 200 ألف شخص بسبب الفشل في معالجة أمراضهم المزمنة، إضافة إلى وجود 200 ألف شخص بأطراف اصطناعية من أصل 700 ألف جريح، ما يعني تأثر أكثر من مليون أسرة من أصل خمسة ملايين ب «كارثة» من صنع بشري. هذا ما توصل إليه خبراء سوريون ودوليون في تقويمهم للوضع السوري بعد نحو 30 شهراً من اندلاع الثورة. وجاء في تقرير أعدّه خبراء لمصلحة «لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» (اسكوا) أن «حجم الدمار في سورية فاق ما حصل في النزاعات والحروب الأهلية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تجاوزت الخسائر الاقتصادية والاجتماعية حدود الأرقام، لتشكّل خطراً يهدد النسيج الاجتماعي والمؤسساتي للدولة». وتفيد الأرقام بأن الناتج المحلي انخفض بنسبة 45 في المئة، حيث بلغت الخسائر في الأصول الرأسمالية 40 في المئة وهي «مدمرة في شكل كامل أو جزئي». وتجاوزت قيمة الخسائر 72 بليون دولار، علماً ان قيمة الناتج المحلي بالاسعار الجارية في العام 2010 كانت نحو 59 بليون دولار. وحذر التقرير الذي ناقشه عدد من الخبراء السوريين من معظم الأطياف السياسية في الأيام الماضية، من أن البلاد تواجه «احتمالات المجاعة للمرة الاولى في التاريخ الحديث». إذ يعيش نحو أربعة ملايين شخص تحت خط الفقر الغذائي مقارنة بنحو 200 ألف شخص في العام 2010. كما أنه و «للمرة الأولى سيكون هناك نحو 300 ألف موظف في القطاع العام في عداد من هم تحت خط الفقر الغذائي، الأمر الذي سيفوق قدرة مؤسسات الأممالمتحدة والجهات المانحة». كما أدى ارتفاع عدد الذي يرزحون تحت خط الفقر الأدنى (أي دولاريين أميركيين في اليوم) من مليوني شخص الى ثمانية ملايين، إلى تفاقم «المأساة السورية». كما ارتفع عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر الأعلى من خمسة ملايين الى 18 مليوناً خلال العامين الماضيين، الأمر الذي يهدد ب «تشوه النسيج الاجتماعي»، ما سيتطلب سنوات ل «تصويبه»، إضافة إلى أنه يعزز عوامل الصراع في الوقت الراهن. حصار ولاجئون ويعاني نحو 300 ألف شخص من «حصار خانق» تفرضه القوات الحكومية، كما يعاني نحو 50 ألفاً من حصار مماثل تفرضه قوات المعارضة على بلدتين مواليتين للنظام في شمال البلاد. وقالت منسقة الشؤون الانسانية في الاممالمتحدة فاليري آموس إن المناطق التي يصعب الوصول إليها أو المحاصرة يسكنها نحو 2.5 مليون شخص وهم في حاجة ماسة إلى «المساعدات العاجلة». بين هؤلاء أكثر من مليون شخص يتوزعون مناصفة بين ريف دمشقجنوب البلاد وحلب شمالاً ونحو 320 ألفاً في دمشق و300 ألف في الحسكة (شمال شرق) و185 ألفاً في درعا (جنوب) و150 ألفاً في حمص في وسط البلاد. وأشارت الى ارتفاع عدد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية من 8.6 مليون الى 9.3 مليون في الأشهر الخمسة الماضية. ويُشكل هذا الرقم 42 في المئة من السوريين. يضاف إلى ذلك، هروب نحو سبعة ملايين سوري من مكان اقامتهم سواء بالنزوح إلى المدن أو المناطق الآمنة أو المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، او باللجوء الى الخارج، وبينهم نحو 2.2 مليون شخص سُجلوا لدى «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين» في دول الجوار، إضافة إلى عدد مماثل من غير المسجلين لدى «المفوضية». وكانت الأممالمتحدة اعتبرت أن أزمة اللاجئين السوريين هي «الأسوأ التي يشهدها العالم بعد أزمة لاجئي حرب التطهير العرقي في رواندا» قبل عشرين سنة. وفيما يستضيف الأردن 520 ألفاً وتركيا 464 ألفاً والعراق 200 ألف ومصر 111 ألفاً مسجلين لدى «المفوضية السامية للاجئين» مع تقديرات بوجود عدد مماثل في هذه الدول وغيرها غير مسجلين ك «لاجئين»، يأتي لبنان في مقدم الدول المستضيفة للسوريين. وأفادت مصادر «المفوضية» بوجود 790 ألفاً مسجلين لديها، اضافة إلى 45 ألف فلسطيني، من أصل نحو 1.3 مليون سوري في لبنان. غير أن تقريراً أعدّه البنك الدولي عن أثر الأزمة السورية على لبنان أفاد بأن: «منذ شهر آب (اغسطس) الماضي، ازدادت حدة اللجوء إلى لبنان، لتبلغ 913 ألفاً، أي ما يساوي 21 من نسبة سكان لبنان قبل الأزمة السورية. وبناء عليه، يتوقع وصول 1.3 مليون سوري مع نهاية العام الجاري»، إضافة إلى توقع وصول 1.6 مليون شخص مع نهاية العام 2014، ما يساوي 37 في المئة من سكان لبنان. وتم تسجيل 40 ألف طفل سوري في مدارس لبنان التي لا تستوعب سوى 30 في المئة من التلاميذ. وأضاف التقرير: «سيرتفع عدد الطلاب السوريين بين 140 و170 ألفاً في نهاية العام المقبل، علماً أن الرقم الأخير يشكل 57 في المئة من طلاب المدارس العامة». وقدّر التقرير كلفة الأزمة السورية على البنية التحتية في لبنان بين 2012 و2014 بنحو 600 مليون دولار، في حين يتطلب الاستقرار في هذا القطاع نحو 1.1 بليون دولار. وأفادت مصادر أخرى بوجود نحو 370 ألف طفل سوري خارج النظام التعليمي اللبناني من أصل نحو مليون طفل سوري خارج النظام التعليمي. وفي سورية، تتطابق خريطة أماكن نزوح المهجرين مع خريطة الدمار في المساكن، حيث دمر نحو 1.5 مليون منزل، الأمر الذي يعني أن البلاد في حاجة الى 28 بليون دولار وعشر سنوات لإعادة بناء هذه المساكن، وفق تقديرات أولية. كما أشار تقرير آخر الى أن مليون شخص فقدوا منازلهم في شكل كامل. وإضافة إلى ذلك، تتجذر الأزمة الاجتماعية بازدياد معدلات البطالة، إذ بلغ عدد العاطلين من العمل ثلاثة ملايين شخص من أصل قوة العمل البالغة نحو خمسة ملايين، مقارنة بنحو 8 في المئة في العام 2010. ولوحظ أن الخسائر «محدودة» في البنية التحتية، مقابل تأثر كبير في القطاع الصناعي، حيث قدرت قيمة الخسائر بنحو خمسة بلايين دولار أميركي. كما انخفض في السنتين الماضيتين، انتاج النفط من نحو 400 ألف برميل يومياً الى 20 ألفاً والغاز من 30 مليون متر مكعب الى 15 مليوناً في اليوم. ونقلت صحيفة «تشرين» الرسمية عن «المؤسسة العامة للنفط» الحكومية تقديرها قيمة الخسائر المباشرة وغير المباشرة في قطاع النفط بنحو 17.7 بليون دولار أميركي، بينها 4.2 بليون دولار خسائر مباشرة. ويشكل تأهيل هذا القطاع أولوية باعتباره أحد مصادر تمويل اعادة إعمار البلاد، فيما لا تزال السيطرة على آبار النفط وطرق نقله وتسويقه بين عوامل الصراع بين الكتائب المسلحة المعارضة و «أمراء الحرب» وبين قوات المعارضة والنظام. عودة امراض منقرضة لكن الخراب الذي لحق بالبشر كان «كارثياً» تعززه عوامل تراجع الخدمات الصحية. حيث تضرر 55 في المئة من 88 مستشفى منها 31 في المئة خارج الخدمة، من أصل 1919 مركزاً صحياً في البلاد. وسُجلت 141 إصابة من الطواقم الطبية، قُتل 52 شخصاً منهم. كما غادر عدد كبير من الأطباء، حيث هجر مدينة حمص في وسط البلاد 50 في المئة من أطبائها ولم يبق فيها سوى ثلاثة أطباء جراحين، فيما بقي في حلب 36 طبيباً من أصل خمسة آلاف قبل الأزمة، في وقت بدا الأهالي في أشد الحاجة الى الأطباء بفعل الصراع. وقال أحد الأطباء السوريين المتابعين للملف الصحي إن سورية التي كانت خالية من فيروس شلل الأطفال منذ 14 سنة، شهدت تسجيل 22 حالة اشتباه بينها 12 حالة مثبتة، فيما قال مسؤول غربي إن مقابل كل إصابة مسجلة هناك 200 إصابة غير مسجلة، مع تحذيرات بانتقال المرض إلى دول مجاورة. وأضاف الطبيب أن منظمات دولية قالت إنها لقّحت 1.5 مليون طفل «غير أن الواقع يدل إلى أن هؤلاء يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة النظام». وأضاف: «ظهور شلل الأطفال يعني فتح صندوق الكوارث ويُعتبر مؤشراً إلى فشل النظام والمعارضة والمجتمع الدولي في التعاطي مع الواقع الصحي»، ما دفع الاممالمتحدة الى بدء حملة لتلقيح 20 مليون طفل في الدول المجاورة. وتحدث الطبيب عن «القتل الصامت»، ذلك أن التقديرات تفيد بأن عدد الذين ماتوا بسبب الأمراض المزمنة مثل السرطان والأزمات القلبية وأمراض الكلى زاد عن 200 ألف شخص خلال السنتين الماضيتين. وذكر بوجود 20 ألف مصاب بالسرطان سنوياً قبل الأزمة، من دون معرفة مصيرهم حالياً، مشيراً إلى وجود 1500 سوري مصابين بالسرطان في لبنان وحده. وأشار إلى وجود 700 ألف جريح بينهم 120 ألفاً يعانون إعاقة مباشرة. وكانت بيانات «المرصد السوري لحقوق الانسان» كشفت في نهاية الشهر الماضي عن ارتفاع عدد القتلى منذ بداية 2011 الى 120 ألفاً، بينهم 61 ألفاً من المدنيين وبينهم أيضاً 6300 طفل و4300 امرأة. وأشار «المرصد» الى مقتل 18 ألف مقاتل معارض و30 ألفاً من القوات النظامية و18 ألفاً من «الشبيحة» و «المخبرين» الموالين للنظام، اضافة الى «خمسة آلاف من العسكريين المنشقين ومجهولي الهوية و 187 من حزب الله اللبناني». وزاد في بيان: «لا تشمل هذه الإحصائية أكثر من عشرة آلاف معتقل لا يُعرف مصيرهم داخل معتقلات النظام، ولا تشمل كذلك أكثر من ثلاثة آلاف أسير من القوات النظامية لدى الكتائب المقاتلة». الى ذلك، حذر مسؤول في منظمة دولية من وجود «خطر آخر» يتعلق بارتفاع نسبة تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية، إضافة إلى تناول المهدئات ومضادات الاكتئاب ومراجعة الأطباء النفسيين. وأشار التقرير الدولي إلى أن «ملايين اللاجئين السوريين، شاهدوا جرائم وأشخاصاً يُقتلون أو أصيبوا بجروح أو أنهم فقدوا أقارب لهم أو بيوتهم أو عملهم». وبالنسبة إلى المدارس، يختلف معدل الدوام بين مئة في المئة في مدينة طرطوس الساحلية الخاضعة لسيطرة النظام و6 في المئة في حلب شمالاً. وقُتل 110 مدرسين وأُصيب خُمس المدارس بأضرار مباشرة أو انها استخدمت لإيواء النازحين. وتدل الأرقام إلى تضرر 2400 مدرسة في أنحاء البلاد. وانخفض عدد مؤسسات المجتمع المدني العاملة من 160 الى 36 مؤسسة. وعلى رغم قتامة الصورة، فإن الخبراء قالوا إن توقف الصراع مهم لإعادة الإعمار، لتكون المهمة غير مستحيلة. وأضافوا ان ثمن كل يوم تأخير باهظ جداً ليس انسانياً ومادياً فقط، بل في تأثيره المباشر في إعادة الإعمار و «بقاء سورية موحدة وعصرية»، مع التحذير من أن تعاظم دور اقتصاد الحرب يتيح المجال للاعتقاد بأن الاقتصاد «وحده كفيل بتفتيت البلاد في حال استمر النزاع عاماً آخر».