افتتحت وزيرة الثقافة الفلسطينية سهام البرغوثي مساء أول من أمس، مهرجان «قلنديا الدولي» في بيت عثماني قديم في القرية الواقعة شمال القدس. ويعتبر هذا المهرجان المستمر حتى 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أكبر تظاهرة للفنون البصرية والمعاصرة في فلسطين، كونه يضمّ «بينالي رواق الرابع»، ومعرضاً للكتب المتخصّصة بالفنون البصرية، وعروض أفلام، وأمسيات فنية، وجولات ميدانية، ومعارض للفن التشكيلي، إضافة الى ندوات تُعقد في معظم محافظات الضفة الغربية بما فيها القدس وغزة والناصرة. وكل ذلك بمشاركة نخبة من المثقفين والفنانين من دول عدة. ويسلّط المهرجان الضوء على معاناة واحدة من القرى الفلسطينية التي غيّبها جدار الفصل العنصري عن الأنظار، ويُبرز حاجز قلنديا العسكري الذي يقطع أوصال الضفة، بحسب ما قال مديره الفني جاك برسكيان الذي أشار الى أن هذه التظاهرة هي «محاولة لجذب اهتمام الصحافة العالمية، بخاصة أن عليه أن يتنافس مع وضع سياسي هو الأكثر جاذبية للصحافة من أي معرض فني آخر». وثمّنت البرغوثي في كلمتها الافتتاحية هذه التظاهرة التي «تعتبر المبادرة الاولى من نوعها في فلسطين»، مشيرة الى أن «إصرار القائمين عليها لعرض الفنون المعاصرة بمشاركة عدد من المؤسسات الثقافية العريقة والمتميزة في بلدنا، يجسد العمل المشترك من أجل إعلاء صوت الفن وما يعكسه هذا الفن من إبداع فلسطيني وتعبير عن الذات الفلسطينية وانفتاح على الفن العالمي». وقال مدير أكاديمية الفنون الفلسطينية خالد حوراني في كلمته نيابة عن منظمي المهرجان إن «قلنديا ليست فقط البلدة والمطار والمخيم والحاجز، بل هي رحلة في فلسطين تُرينا وجهاً مغايراً لهذه الارض يطرح مواضيع جديدة للنقاش ويشارك في حراك واسع. فهذه البقعة من جغرافية فلسطين والتي كانت حلقة الوصل مع العالم الخارجي من خلال المطار وأضحت همزة القطع ما بين أوصال الوطن، تختزل في تاريخها تاريخ الشعب الفلسطيني وتحمل في طياتها المعاني المختلفة لجغرافيا الوطن ولدور فلسطين على مستوى العالم». حكايات من مطار القدس البداية كانت مع الفيلم الوثائقي «خمس دقائق عن بيتي» للمخرجة الفلسطينية ناهد عواد التي تمكّنت ببراعة، على مدار 52 دقيقة، من كسر الرتابة التي ترافق كثيراً من الأفلام الوثائقية الطويلة، عبر أنسنة الفكرة من خلال اختيار الشخوص وطريقة توظيفهم. الفيلم الذي عملت عليه عواد لثلاث سنوات، يتناول حكايات مطار القدس الدولي المعروف ب «مطار قلنديا»، والذي لا يبعد عن منزلها في رام الله أكثر من خمس دقائق. وأجرت المخرجة مقابلات مع عدد ممن عملوا فيه وبات جزءاً من حياتهم، كيوسف حجار الذي لا يزال يحتفظ بالعديد من تذاكر الطيران، وشهادة أوّل راتب له العام 1956. وهو يتذكّر تماماً يوم الثاني من أيلول (سبتمبر) 1962، حين أقلته طائرة خاصة مع عروسه إلى بيروت. ويقول في الفيلم: «وافق مدير المطار على أن نسافر أنا وعروسي وحدنا في الطائرة، برفقة قائدها وإحدى المضيفات. كانت سابقة في تاريخ المطار». أمّا زميلته هانية ياسمينة التي يعرّفنا بها الشريط من خلال صور فوتوغرافية جمعتها المخرجة من مصادر عدّة، فلا تزال تتذكّر كيف زار البابا مدينة القدس عبر المطار، بعد أيام من خطبتها، وكيف جاءت لاستقباله طائرات كثيرة من دول العالم، وبخاصة من بيروت. كما تتذكر ياسمينة التي تقيم في عمّان، عدداً كبيراً من الفنانين العالميين والعرب، ممن زاروا الأراضي الفلسطينية أو عبروا مطار القدس في طريقهم إلى بلد آخر، ومن بينهم عمر الشريف، وفاتن حمامة، وفريد الأطرش، ونجوى فؤاد. وقدّم خالد الجرار في عمله التركيبي «كونكريت» (اسمنت)، مشاهد فيديو تعرض كيف يقتطع هو نفسه أجزاء من الجدار ويطحنها لتصبح اسمنتاً، ليعود ويستخدمها مجدداً صانعاً منها أشكالاً مختلفة، من بينها كرة قدم، كرة طائرة، ساعة يد، وعصا سحرية... وأراد الجرار من خلال هذا العمل التأكيد أن كل فلسطيني يستطيع استغلال جدار الفصل العنصري الذي بنته اسرائيل «ليصنع منه أشياء تلبي حاجاته الشخصية»، كما قال. وتتالت الفقرات بعد ذلك لتشمل دبكة «أشبال قلنديا»، وعرضاً موسيقياُ غنائياُ لفرقة «دار قنديل».