انقضى العيد في تركيا ولم تنتهِ سجالات فكرية ونقاشات دينية حادة حول الأضاحي، بين شريحة تصرّ في كلّ عيد على طرح المسألة للنقاش، منذ الفتوى الشهيرة للبروفيسور في علم الشريعة والأديان المقارنة زكريا بياز الذي أفتى قبل 8 سنوات بجواز التضحية بالدجاج خلال الأزمات الاقتصادية، وما زال يجادل لإقناع كثيرين بشراء أسهم الأضاحي المشتركة وتوزيع أموالها على فقراء، بدل ذبحها يدوياً. لكن العيد هذه السنة شهد سجالاً من نوع آخر، إذ صادف عيداً مهماً آخر، هو الذكرى ال 89 للجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1923. و»الأتاتوركيون» وحكومة حزب «العدالة والتنمية» على موعد مع مواجهة جديدة، على رغم اختلاف ميزان القوى لمصلحة الحكومة، بسبب رفض الأخيرة السماح بإقامة احتفال شعبي بعيد الجمهورية، إذ منع والي أنقرة منح إذن لمسيرة شعبية يُفترض أن تنطلق اليوم من أمام المبنى القديم للبرلمان، في اتجاه ضريح أتاتورك، بحجّة امتلاك الحكومة معلومات استخباراتية تفيد بأن المسيرة ستتحوّل تظاهرة ضدها وتشهد شغباً. وتساءل زعيم المعارضة «الأتاتوركية» كمال كيليجدارأوغلو: «لماذا تؤمن الحكومة للشعب كلّ التسهيلات للاحتفال بعيد الأضحى، من مواصلات مجانية إلى دفع مبكّر للرواتب وتخصيص أماكن للاحتفال الجماعي، فيما تحرم الأتاتوركيين من الاحتفال بعيدهم وعيد الجمهورية واستذكار أتاتورك وفضله على تركيا؟». واعتبر أن حكومة رجب طيب أردوغان تعبّر، من خلال «محاربتها أتاتورك، بوصفه رمزاً، عن رفضها المستتر للنظام الجمهوري العلماني الذي أقامه». وتعهد مساندة المسيرة ومشاركة بعض نوابه فيها، على رغم الحظر، مذكّراً بأن «الدستور التركي لا يشترط نيل إذن، لتنظيم مسيرات شعبية أو تظاهرات. لكن الحكومة حزب العدالة والتنمية ربما نسيت الإصلاحات التي أقرها البرلمان، استجابة لمعايير الاتحاد الأوروبي». واعتبرت أوساط «أتاتوركية» أن الحكومة قررت «التضحية» بأتاتورك وذكرى الجمهورية في عيد الأضحى، وأسِفت لأن عيد الجمهورية سيمرّ في ظلّ توتر وربما مشاحنات واشتباكات، إذ تصرّ وزارة الداخلية على منع المسيرة الشعبية، فيما يصرّ الأتاتوركيون على تنظيمها، ما يُنذر بصدام بين الجانبين. لكن أردوغان اعتبر أن «الجمهورية هي أبرز ضامن لمستقبل تركيا وشعبها»، مشدداً في رسالة تهنئة إلى مواطنيه، على أن «الجمهورية، وصية المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، تشكّل نقطة تحوّل ضخمة في تاريخ الشعب التركي، ونقطة انعطاف في تاريخ تركيا». أما الرئيس عبدالله غل فأبدى «فخره بإنجازات الجمهورية»، معتبراً أنها كانت «ثمرة الانتصار في حرب الاستقلال، بقيادة أتاتورك، ورسمت ملامح مستقبل تركيا الحديثة». وفيما يواجه الأتاتوركيون مشاكل للاحتفال بأعيادهم على طريقتهم، يشهد القصر الجمهوري تطوّرات مهمة، في اتجاه إنهاء إقصاء الحجاب والمحجبات، إذ سيستأنف إحياء الاحتفال بعيد الجمهورية، بعد سنوات على تولي البرلمان ذلك، هذه المرة في حضور السيدة الأولى، بعد تجنّبها ذلك لسنوات بسبب حجابها. كما ستحضر القيادات العسكرية التي كانت تقاطع الاحتفال، اعتراضاً على تولي غُل الرئاسة، بوصفه من مؤسسي حزب «العدالة والتنمية» ذي الجذور الإسلامية. وبذلك سيشهد الاحتفال للمرة الأولى، مصافحة بين رئيس الأركان الجنرال نجدت أوزيل الذي كان منصبه يُعتبر الوريث الشرعي لمبادئ أتاتورك العلمانية الصارمة، مع السيدة الأولى خير النساء غُل، بحجابها، ليشكّل هذا المشهد تدشيناً رمزياً من أبرز القادة العسكريين، لمصالحة القيادات العلمانية «الأتاتوركية» مع الحجاب، ولو كانت هذه المصالحة على المستوى الرسمي، لا الشعبي، إذ يتهم منظمو المسيرة «الأتاتوركية» التي ستخرج اليوم، قيادة الجيش بالتخلي عن أتاتورك ومبادئه والدفاع عن جمهوريته التي أنشأها على أطلال امبراطورية عثمانية وخلافة إسلامية، فيما ترى الحكومة في ذلك المشهد تجلياً طبيعياً لترسيخ الديموقراطية في تركيا. لكن هذه الأجواء ستكون احتفالية، حين تتّصل بإنهاء إقصاء الحجاب، فيما سيستنشق أنصار أتاتورك خلال مسيرتهم، غازاً مسيّلاً للدموع ويُضربون بهراوات.