توقعت مصادر في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أن يبدأ زعيمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مبكراً، بالعمل على صوغ دستور جديد وطرح فكرة النظام الرئاسي للمناقشة، من أجل اعتمادهما خلال فترة أقصاها سنتان، مستنداً في ذلك الى النتائج القياسية التي حققها في الانتخابات النيابية اول من امس. وفسر قريبون الى أردوغان الخطاب الذي ألقاه من شرفة مبنى الحزب بعد إعلان نتائج الانتخابات، بأن رئيس الحكومة اعتبر النتيجة استفتاءً على كل الأفكار التي طرحها للمناقشة، وبينها النظام الرئاسي وأحقيته بذاك المنصب، إضافة الى تأييد شعبي لتكون لحزبه اليد العليا في صوغ الدستور. لكن اردوغان تعهد «التواضع» والسعي الى التوافق مع المعارضة، لصوغ الدستور الجديد. ورأى هؤلاء في اعتبار اردوغان فوز حزبه نصراً للشرق الأوسط وشعوبه، إشارة الى أن حكومة «العدالة والتنمية» قد تغيّر نهج سياساتها الخارجية، في اتجاه مساندةٍ أكبر للثورات العربية والدعوات الى الديموقراطية والإصلاح. في المقابل، لم يتنبّه الحزب الحاكم الى تراجع عدد مقاعده في البرلمان في لحظات الفرز الأخيرة في المدن الكبرى، وفي مقدمها إسطنبول التي كانت تعتبر إحدى أهم قلاع الحزب، إذ ما زالت الفرحة بحصول الحزب على نصف أصوات الناخبين تطغى على هذا الأمر الذي سيؤثر في قدرته على التفاوض مع بقية الأحزاب أثناء صوغ الدستور الجديد. ويعني تراجع مقاعد الحزب من 331 الى 326 (من اصل 550 مقعدا)، أنه يحتاج الى أربعة أصوات لإقرار تعديلات دستورية في قراءة أولى وإحالتها على استفتاء شعبي، بصرف النظر عن رأي المعارضة. وقالت مصادر في الحزب ان العمل بدأ سريعاً لدرس سبل ضمّ أربعة نواب من أحزاب أخرى أو مستقلين. وعُزي التراجع في عدد المقاعد، رغم ارتفاع نسبة الأصوات، الى زيادة عدد النواب المستقلين وتراجع أصوات الحزب الحاكم في المدن الكبرى، بسبب تركيزه على الفوز في مدن الساحل «العلمانية» ذات المقاعد البرلمانية الأقل. وحفلت نتائج الانتخابات التركية بمفاجآت، إذ استطاع جنرال متقاعد وصحافي وطبيب، اتُهموا بالانتماء الى تنظيم «أرغينيكون» الانقلابي، الدخول الى البرلمان، ليبدأ جدل حول احتمال خروجهم من السجن وتمثيلهم نيابياً، ما قد يؤثر في مجريات التحقيق في قضايا الانقلابات العسكرية، بسبب قدرة هؤلاء النواب لاحقاً على التدخل والاطلاع على تفاصيل التحقيقات والاحتجاج على سيرها. في المقابل، بدأت تتعالى أصوات المعارضة داخل حزب الشعب الجمهوري الاتاتوركي، داعية الى مؤتمر حزبي طارئ لإطاحة الزعيم الجديد للحزب كمال كيليجدارأوغلو، والعودة الى السياسة القديمة للحزب، الملتزمة أيديولوجيا مصطفى كمال أتاتورك، بحجة عدم تحقيق النتيجة المرجوة في الانتخابات وزيادة أصوات الحزب 3 نقاط فقط، ليحصل على 26 في المئة، على رغم أن كيليجدارأوغلو اعتبر النتيجة إيجابية، كما رأى في زيادة الأصوات دعماً لسياساته الإصلاحية. ورأى محللون أتراك أن قسماً من قاعدة «الشعب الجمهوري» صوّت ل»حزب الحركة القومية»، خشية أن يبقى القوميون خارج البرلمان بعد الفضائح الجنسية التي هزت حزبهم، ما يتيح لأردوغان حصد مقاعده الخمسين إذا لم ينلْ نسبة 10 في المئة اللازمة لدخول البرلمان، وهذا ما جعل أصوات الحزب القومي تقفز فجأة 3 نقاط الى 13 في المئة، فيما جاءت نتيجة «الشعب الجمهوري» أقل بثلاث نقاط عن كل استطلاعات الرأي. في المقابل، اعتبرت القيادية الكردية ليلى زانا التي امضت عشر سنين في السجن، أن الأكراد هم الفائز الحقيقي في الانتخابات، بعد دخول 36 منهم الى البرلمان، على حساب مقاعد الحزب الحاكم، في مقابل 20 مقعداً في انتخابات العام 2007. ويعتبر النواب الأكراد ان ذلك سيدفع الحكومة الى الإصغاء أكثر للشارع الكردي، بما في ذلك المطالبة بحكم ذاتي والتعلّم باللغة الأم، وإطلاق زعيم «حزب العمال الكردستاني» المحظور عبدالله أوجلان والتفاوض معه بوصفه ممثلاً عن الأكراد، وإعلان عفو عام عن عناصر الحزب الذي كان قائده العسكري مراد قره يلان هدد باستئناف الهجمات بعد الانتخابات. وأظهرت نتائج غير رسمية، أن عدد النساء في البرلمان سيرتفع من 50 الى 78، معظمهنّ انتُخبن على لوائح الحزب الحاكم. الى ذلك، رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالانتخابات «الحرة والديموقراطية» في تركيا. وأعرب خلال زيارته لروما أمس، عن رغبته في تحسين العلاقات مع أنقرة.