أوضح الشاعر والكاتب علي الدميني، رداً على سؤال «الحياة»: يبدو أن لا فكاك بين تجربة العلي الشعرية ومواقفه الجريئة، ونزوعه إلى تحرير الذات والواقع من أسر سلطة القهر، هل لا يمكن الفصل بينهما في المقاربة النقدية، أم أن هذين المستويين هما أحد دوافعك للقراءة والكتابة؟ قائلاً إن الحرية عند العلي «ليست فضاءً متخيلاً أو حلماً يوتوبياً يتشاغل بتأمله والكتابة عنه، وإنما هي شعلة متّقدة دائمة في ضميره ومسالك حياته وكتابته، لذلك يتبدّى لنا مثل بروميتوس الأسطوري الذي جلب النار «ضمن أفق البحث عن المعرفة» إلى جليد الحياة الخاملة. إنه الباحث خلف الأسوار عن نوافذ جديدة تحرر الذات من جهلها، أو تطلقها من قيودها المتعددة. إنه مثقف مجبول على كسر القيد ومقارعة سلطة القهر، ولذا استمر مشتعلاً بتلك النار، وهذا ما دفعني للإعجاب به والاحتفاء به في هذا الكتاب. وحول ما ذكره الدميني في كتابه، من كشف لتمايز الذات الشاعرة عن الذات المفكرة لدى العلي، وإلى أي حد يمكن للذاتين، الشاعرة والمفكرة، أن تفترقا أو تعملا على النقيض من إحداهما للأخرى، قال: يقول الشاعر والناقد المغربي مصطفي الشليح: «كتابة الشعر هي عودة إلى تلك الطفولة البدائية الأولى، الوحشة الأولى، بشكل مختلف وبنفس إبداعي»، من أجل هذا يمكن النظر إلى أن العلي لا يكتب قصائده إلا في أتون حرائق الحالة الشعرية التي تحلّق به في مخيال تلك الطفولة، سواءً كانت تأملاً في معنى ما أو موقف معيّن، أم جاءت استجابة لتفاعل وجداني صِرف. إنه يذهب في الشعر إلى مخيال تلك الطفولة الحرّة والمنفتحة والعفوية والقريبة من براءة وصدق الإحساس بالأشياء، بحرية تشبه حرية الطفل حين يتعلّم كلماته الأولى فيتساءل عن كل شيء، من دون حذر أو قيد. وأحد أمثلتي على ذلك قوله في قصيدة «الوجع»، حين ينهيها قائلاً: «أترى في السماء وجع؟». أما الكتابة الثقافية فيحكمها نظام معرفي استقرَّّ في المستوى التأملي والعقلاني للكاتب، فتنتفي عنه حالة كتابة الشعر ومصاحباتها العفوية المتحررة من كل قيد، ويصبح أكثر تماهياً وإخلاصاً لقناعاته التي استقرت في ضميره الثقافي، التي نجدها عند العلي في منظومة قناعات واستهدافات تتطلع إلى كسر القيود وفتح دروب الحرية، وتتطلع بوضوح جازم إلى غد أكثر جمالاً وعدلاً، وإلى زمن حضاري أرقى!». وأضاف الدميني أن قصائد العلي «تحمل الكثير من الألم والحزن والانكسارات التي لا نجدها في كتاباته المعرفية المتعددة، لأن للشعر فضاء وللكتابة الأخرى فضاء آخر، وقد يلتقيان أو يفترقان في لحظة شعرية إنسانية مخلصة للحظتها فقط، وتلك خصيصة ملازمة للحالة الشعرية «وقد وجدتها عند الكثير من الشعراء الكبار عدا أدونيس، لأن قصائده غالباً ما تكون منذورة للتعبير عن حمولات تأملية وفكرية»، بعكس مناخ الكتابة الثقافي والفكري المختلف عنها والمفارق غالباً لها، إذ يرتبط - عادة - بمسلمات العقلانية وحضور الوعي والضمير النقدي حتى وإن توشّح بعباءة الانفعال!».