يحقّ للثقافة أن تنظر إلى الاقتصاد بعين الحسد، وربما الضغينة!... فإذا كان من الطبيعي أن تتصدّر السياسةُ وتأخذ أخبارُها وحواراتها ومحللوها الحصّةَ الأكبر من البث الفضائي، في عالم عربي يمور بالتغييرات والثورات والانقلابات والمؤامرات والدسائس، ويتكئ على قضايا وطنية وقومية عالقة منذ نيف وستين سنة ولا يبدو أنها قيد الحلّ... فما بال الاقتصاد يأخذ الحصة التالية، خصوصاً وأن غالبية الشعوب العربية ترزح، مطمئنة قانعة، تحت خطّ الفقر؟! ولا تفكّر الثقافة في منافسة الرياضة أبداً، وعلى الرغم من ذلك لا منتخب عربيّاً أمكنه ذات يوم المنافسة على لقب عالمي، وبتنا نشهد من حين إلى آخر رياضياً، حتى لو كان من بلد قصيّ قليل العدد محدود الإمكانات قابع في زاوية العالم، يتمكّن من تعليق ميداليات ذهب على صدره بما يفوق رياضيي عالم عربي كبير ممتدّ من الماء إلى الماء، وينطوي على نيف وثلاثمئة مليون طاقة مهدورة! ولكن... ما بال الاقتصاد والمواطن العربي (بما فيه اللاجئ العربي) ينام ويفيق على همّ تدبير لقمة عيش؟! تنكفئ الثقافة على الشاشات، فيما تتصدّر النشرات والأخبار والبرامج الاقتصادية وخريطة المال واجهةَ المشهد التلفزيوني العربي. تبرع مذيعات رائقات في قراءة جغرافية الأسهم الصاعدة والهابطة وأخبار «البورصة»، ويتجوّلن على أسواق المال العالمية، من طوكيو إلى نيويورك، من دون المرور على «السوق الشعبي» في الجوار، حيث تنكأ الأسعار جرح كرامة المواطن العربي كل صباح. تنتحب الثقافة العربية وهي ترى عالماً من طابقين: ذهب وطين! صار من نافل القول ومكروره أن «أمة اقرأ» لا تقرأ، وبات رقم ال «ست دقائق» التي يمضيها العربي في القراءة سنوياً، مُجترّاً ومُستلَهكاً، فمن تراه يقول لنا كم دقيقة من البثّ التلفزيوني العربي مُخصّصة سنوياً للثقافة... وشؤونها... وشجونها... وأعلامها؟! وما هي نسبتها قياساً إلى خضمّ موج البث التلفزيوني العربي المتلاطم؟ من يقول لنا كم دقيقة يظهر هذا الأديب العربي، أو ذاك الشاعر، أو الناقد الأدبي أو الفني؟ أو -على الأقل- ما مقدار حضوره بموازاة محلل «استراتيجي» أو سياسي أو اقتصادي، في عالم عربي ليس من الجور القول إن لا سياسة حقيقية، ولا اقتصاد متيناً فيه؟ يفوز الروائي الصيني «مو يان» بجائزة نوبل للآداب عام 2012 ولم يشاهده القارئ العربي، حتى بعد إعلان الجائزة، ولا التفتت التلفزيونات العربية في شكل لائق إلى هذا الحدث الثقافي الأهمّ، كما نتوهّم، على الصعيد العالمي، على الرغم من أن ثمة من هو في العالم العربي يترقّب الترشيحات ويقع في الخيبة، عاماً بعد عام، وهو يرى «نوبل الآداب» تزورّ بنظراتها حتى عن كبار الأدباء العرب! ثمة من يقول إن «مو يان» تعني «لا تتكلم»، وهو اسم مستعار للكاتب «غويان موي»... فهل لنا أن نتساءل: متى تتكلّم الثقافة العربية لنسمعها ونراها على شاشاتنا؟