في أعمال كاريل حمصي، لا يسعك إلا التقاط أنفاس التاريخ، واستشراف رموز الأساطير القديمة والنوادر، والغوص فى الواقع الشعبي بطقوسه ومعتقداته. وقد تصطدم بتقاليد بدائية تمتزج بتعبيرات دينية وعقائدية وثقافية، تلعب فيها دور البطولة، صور خيالية. وفي معرضها الأخير الذي احتضنته كبرى قاعات اتيليه الإسكندرية، قدمت حمصي رؤيا فنية لم تبتعد كثيراً عن معارضها السابقة فاستعارت رموز التاريخ والأسطورة، وأشركت عناصر الطبيعة، وشخصيات الميثولوجيا من الموروث الثقافي كشهريار وشهرزاد وآدم وحواء، وحرّفت أشكالاً ورموزاً لونية وحملتها أصداء تجارب شخصية وذهنية، وطوعتها لتسقط عليها آراء سياسية وتحولات فكرية ايدولوجية ونظرة مستقبلية تستشرف منها المشهد القريب. ومن أهم ما يميز عالم كاريل، تزاحم شخوصه وزخم إشاراته الميثولوجية واستحضارات الماورائية الكونية، حيث تعلو ذبذبات الخطوط والألوان الصريحة والتي تعطي إحساساً بالحركة المستمرة. واللافت في شخوص كاريل تصويرها بشكل غريزي عنيف مشحون بانفعالات داخلية غير مرتبط بالبحث عن الجمال فقط، بل متأهب دائماً لقلب القوانين والقواعد، فهو لا يخضع لقواعد اكاديمية راديكالية صلبة، بل يرصد قضايا إنسانية بحتة ولكن من خلال اللاشعور الذي يعكس دائماً الأصول القديمة، ويحكى فى باب النوادر والحواديت مشاكل يومية وأيضاً مشاكل تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ. تؤمن الفنانة المصرية، بعلاقة الكائنات الحية مع بعضها في دورة الحياة، كعلاقة الإنسان بالشجر الذي يُنتج الأوكسجين، وعلاقة المرأة بدورة القمر الذي هو رمز للأنوثة ومصدر للضوء والطاقة. وعلاقة الرياح بحركة الكون والتي قد تؤجج بحاراً او تطفئ ناراً. وتحتفي بالمرأة وتنتصر لعدد من قضاياها فمن لوحات المعرض لوحة لهتلر وإيفا وهما ينتحران والأخيرة تمسك بيدها ورقة الزواج وتلصقها بقوة على صدرها، وتعلق كارول «هذه الورقة المقدسة التي تكاد تتفق على أهميتها كل النساء في الشرق والغرب». وتحتفي لوحات كاريل الثلاثين بالرقص، موضحة أنها من عاشقات هذا الفن الشرقي، اذ قدمت سابقاً معرضاً خاصاً للفنانات والراقصات ينتصر لهن وللفنون الشعبية «بعد موجة الحرام والعيب التي اجتاحتنا لفترة». وتقول: «الرقص الشرقي احد أهم مميزات الفولكلور الشعبي المصري ويدخل البهجة في النفوس ويخرج المشاعر والطاقات السلبية، كما أنه قاسم مشترك بين الأغنياء والفقراء فيكاد لا يخلو زفاف من راقصة». يتوسط القاعة تمثال ضخم لفرس النهر أو ما يعرف لدى المصريين بسيد قشطة رسمت عليه كاريل حكاية الثورة. تقول: «كما هو معمول به في العالم، يعرض عدد من الفنانين تمثالا لأحد الحيوانات ذات الدلالة الحضارية يظهر جانباً حضارياً أو تراثياً من بلاده، ففي سويسرا يعطي الفنانون بقرة وفي انكلترا فيلاً وفي مصر قدمت سيد قشطة لما له من رمزية لدى المصريين القدامى، فهو يمثل إله الشر لدى الفراعنة، وقد جسدت عليه بألوان الإكريلك حكايات الثورة المصرية بأيقوناتها وشهدائها ونشطائها وجمعياتها وعبرت عن كثير من مخاوفي وانفعالاتي وغضبي وتفاؤلي».